من هنا تبدأ
تركيا في مرمى
نيران حلفائها
المضطهدون في الأرض من أمثالنا لديهم هاجس تجاه أي سلطة،
وهم في بلادنا أشد توجسا من غيرهم، فقد مرّ على بلادنا
العربية خصوصا والإسلامية عموما قرنان من الزمان اختلط
فيهما الحابل بالنابل كما يقولون وكثرت السهام على أرضنا
وفي سمائنا فما يدري المضطهد منا أي السهام ستصيبه وإذا
فاته إحداها فلا يعني أن السهم القادم سيخطئه أيضا، وزاد
هذا الهاجس حتى كاد أن يصبح في شعورنا نحن المضطهدين أنه
قدرنا إلى يوم الدين سواء كثرت ذنوبنا أو كثر فينا
الصالحون، ومع بداية القرن الأخير وبعد أن ساء حال دولة
كانت جامعة وعنوانا لوحدة أمة على ما كانت عليه ووصلت إلى
حالة مرض الموت، لم تكن جماهير الأمة وخاصة المضطهدين
الذين تم تحييدهم أو إخراجهم من حالة الوعي إلى حالة
اللاوعي بكاسحات الثقافات الدخيلة تدرك طبيعة المرض الذي
استشرى وطبيعة جرعة العلاج المسمومة التي رفض ابتلاعها
السلطان عبد الحميد الثاني بتوقيعه على صك يعطي الصهاينة
الحق في احتلال شبه جزيرة سيناء وفلسطين، وعمل الجذام
الصهيوني في تآكل أطراف الدولة .. وكان الترحيب كاسحا أيضا
عندما خرج على الأمة (الذئب الأغبر) أبو الأتراك كما أراد
أن يسمى مصطفى كمال نفسه، وليس أبو الأمة، وفي حالة
اللاوعي اندفع أغلب قادة الفكر والرأي في التأييد والتهليل
بعد أن قدمته كاسحات الإعلام إياها على صورة سيف الله
المسلول، حتى قال شاعر العرب في زمانه وإلى الآن أحمد شوقي
قصيدته التي قال فيها:
الله أكبر كم
في الفتح من عجب
يا
خالد الترك جدد خالد العرب
قرابة المائة سنة تم اختطاف تركيا فيها بعيدا عن
أصولها وجذورها ومحيطها، وأصبح نهج أتاتورك وفيروسه ينهشان
في جسد الأمة ليواصلا مهمة الجذام الصهيوني الذي بتر
أطرافها وسكن قلبها، وجرت أحداث الدنيا بما جرت ولم تختفي
طبقة المضطهدون في بلادنا من الوجود بل ازدادت سماكتها في
الكثير من الأقطار بعد أن أصبح نهج الذئب الأغبر في الحكم
هو النموذج والمثال وأصبحت لا يُرى في سمائها غير الغيوم
التي لا تمنع سهما من اختراقها، ولا تعطي حصانة ضد فيروسات
كيانات الاستكبار والاستعلاء من داخلها ومن خارجها التي لم
يعد الجسد فقط مجال عملها بل روح الناس وأفئدتهم وذلك
الكيان القابع في داخلهم والذي هو مناط التكليف والإدراك
الشرعيين رغم جسامة البلايا التي لا تخطئها عين وهدير
الدماء التي تسيل على أرضها بلا توقف تعجز الصحائف
والأقلام عن إحصائها.
وبقدر الله سبحانه ورحمته جاءت قافلة الحرية في
آخر الشهر الخامس من هذا العام التي انطلقت من الموانئ
التركية تتهادى على أمواج البحر الناعمة، ثم يجيئ الفعل
الصهيوني المخالف لقوانين الدنيا بإسالة دماء 9 شهداء
أتراك فتستدعي بسخونتها دماء ملايين الشهداء على أرضنا
وكأنها جاءت لثتأر لها، فتتغير مسارات الأحداث وتهتز أركان
العالم وتنزاح من سمائه الكثير من الغيوم الحاجبة للرؤية
وتنشط خلايا المناعة في جسد الكثير من البشر ليروا
ببصيرتهم في أي حال كان يعيش وكان يبتلع الطُعْم تلو الطعم
ليظل في خدره هادئا.
وفي أقل من شهر واحد عاش الشعب التركي أحداثا
زلزلته:
1- في 30/5/2010 وقبل تحرك قافلة الحرية بيوم
تعرضت قاعدة بحرية عسكرية في ميناء الإسكندرونة على البحر
الأبيض لهجوم صاروخي من البحر راح ضحيته 6 جنود، وأعلن
رئيس الوزراء وقتها أن المهاجمين استفادوا من خبرات
أجنبية.
2-
في 16/6/2010
هدد
نواب جمهوريون وديموقراطيون أمريكيون تركيا بأنها ستدفع
الثمن إذا استمرت على سياساتها الحالية مع إيران وزيادة
العداء من دولة إسرائيل، ولم تيأخر النائب الجمهوري (مايك
بنس) عن تأكيد أن تركيا ستدفع الثمن.
3-
في 19/6/2010 لم يتأخر حزب العمال الكردستاني في إعلان
خرقه
لهدنة
مع تركيا وقام بقصف قاعدة عسكرية قتل فيها 11 جنديا.
4- وهذا الأسبوع وفي 22/6/2010 تم تفجير حافلة
عسكرية في استانبول راح ضحيتها 5 جنود وابنة أحدهم مع
إصابة 11 شخصا آخرين.
5- وفي 23/6/2010 طلب 87 عضوا في مجلس الشيوخ
الأمريكي إدراج مؤسسة الإغاثة التركية التي نظمت قافلة
الحرية على قائمة الإرهاب.
أحداث توالت وستتوالى بسبب فلسطين مزقت جدرا
كثيرة أمام أعين الشعب التركي الذي عاش في صراع على أرضه
طوال ما يقرب من مائة سنة بين أصله وروحه وتاريخه، وبين
حضور الذئب الأغبر في كل مناحي حياته وصوره وتماثيله التي
تملأ كل مكان وحتى غرف النوم وأعطت لنهجه من طقوس التكريم
والتقديس ما يجعل كل فرد على هذه الأرض يتخيل أن عيني هذا
الذئب في الصور تراقبه وتراقب كل دولته.
هذا الحدث أحدث المعجزة التي طال مجيؤها لتلتحم
الجماهير المضطهدة في الشعب التركي مع سلطته بسبب الدماء
التي أريقت وكرامة الجيش التركي التي أهينت وبنقض حزب
العمال الكردي للهدنة والكل يعلم ويجمع على معرفة الأصابع
التي تحركه، تم تأتي نيران الحليف الأمريكي الذي لم يحفظ
لهذا البلد الدور الذي لعبته في سبيل مصالحه ومصالح حليفه
الصهيوني طوال أكثر من عمر هذا الحليف، شهر واحد في زماننا
ارتبك فيه العدو الصهيوني وبدلا من أن يعيد طرح جرعة
الدواء المسمومة للنظام التركي أخطأ فابتلعها هو لتبدأ
فعلا صحوة على الأرض نسأل الله سبحانه وتعالى أن تتم في
تركيا .. فمن هنا تبدأ.
المصدر رسالة الاخوان