مكانة الإنسان المسلم ورسالته في الحياة
عماري جمال الدين/ سدرا ته/ سوق هراس/ الجزائر
04/12/2012
أهم مورد تمتلكه الأمم
لا ريب أن أمتنا اليوم وهي تقف موقف الصمود في وجه العدو بكل ما تمثله التحديات الاستعمارية والصهيونية من أخطار، وما تعانيه من إشكالات على مستوى الداخل في حاجة ماسة إلى تكاتف جهود جميع أبنائها المخلصين رغبة في تحقيق الصالح العام، ومن أجل تنمية شاملة تدفع بالبلاد والعباد إلى التقدم والرقي والازدهار. وعلى رأس هذه الاهتمامات والأولويات العناية بالإنسان، على اعتبار أن المورد البشري أهم مورد تختزنه الدول والأمم والشعوب في رصيدها عبر التاريخ.
إن الاستثمار في البشر ضرورة لا بد منها وأولوية أولى، بل هو القاعدة الصلبة والأساس المتين، الذي يحمل البناء ويحافظ على الموارد والمكاسب والإنجازات الأخرى بل ويسعى لتطويرها لكسب رهانات الحاضر والمستقبل.
يخطئ في حساباته من يولي اهتماما للتنمية الزراعية والصناعية والتجارية والاقتصادية فقط وبهمل الاهتمام بالتنمية البشرية أو لايوليها ما تستحق من عناية ، هذه الأخيرة التي أصبحت مؤشرا قويا على تحضر الشعوب أو تخلفها.
إن رأسمال الإنسان الحقيقي هي مصادره الجسمية والفكرية والوجدانية والاجتماعية التي تنمو وتتطور باستمرار. فالعناية بالفرد منذ طفولته عقلا وروحا وبدنا أمر لازم لا يختلف فيه اثنان عاقلان. لأن الإنسان هو حجر الزاوية، ووسيلة التنمية وغايتها في آن واحد. وإذا كان التأسيس لتنمية شاملة يعتبر تحديا، فإن التحدي الأكبر، والسؤال الأهم: "كيف نصنع الإنسان وفق الملمح والمواصفات التي نريد؟"
الغاية من وجوده
الإنسان هو محور الوجود كله، وهو سيد في هذا الكون، فكل شيء في هذا الكون مسخر له، والديانات كلها جاءت من أجله، والوحي السماوي خطاب موجه إليه، وكل ما في القرآن الكريم إما حديث عن الإنسان أوحديث إليه، أو عن شيء يتعلق به بأي شكل من الأشكال. أفلا تلحظ أن معظم آيات القرآن الكريم تتحدث عن قلب الإنسان وعقله وروحه ونفسه، وهدايته وصلاحه.
وإذا كانت العبادة في الإسلام هي غاية الغايات لنيل رضا المولى عز وجل، قال تعالى: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون..." (آ56 الذاريات) فإنها غير مقتصرة على التسبيح والتقديس الذي لا تعرف الملائكة سواه، بل الأمر يتعدى ذلك إلى كل عمل يقوم به الإنسان في هذه الحياة، سواء كان هذا العمل دينيا أو دنيويا، طالما قصد به المرء وجه الله تعالى، بتزكية النفس، وعمارة الأرض، ونشر رسالة الإصلاح، وتحقيق الخير للناس.
وفضلا عن ذلك فهي عبادة تقوم على معرفة العابد لمعبوده، أي هي قائمة على الوعي والإدراك، والأهم من ذلك أنها قائمة على الاختيار من جانب العابد لمعبوده، وهذا أمر غير قائم بالنسبة للملائكة الذين" لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون " (آ6 التحريم) وهنا يتفرد الإنسان بأهم خاصية أكرمه الله تعالى بها وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا. وهي أن الله تعالى أسند المشيئة له كي يستطيع أن يقرر مصيره بنفسه. وهذا أمر ينسجم تماما مع القانون القرآني في التغيير والذي يقول:" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم." (آ 11 الرعد) مع العلم أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يستطيع أن يقول لا حتى في مواجهة الأمر الإلهي ، قال تعالى في الآية 93 من سورة البقرة:"... قالوا سمعنا وعصينا..." وقال:"وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر." (آ29 الكهف)
إن الإنسان ليس ذرة تافهة في هذا الوجود، وإنما هو سيد في هذا الكون بتكليف من الله، وهذا التكليف يتطلب الأمانة في إدارة هذا الكون الكبير، وهذا يعني أن على الإنسان في إطار تحمله لهذه الأمانة الامتناع عن كل ما من شأنه أن يجلب الضرر بأي شكل من الأشكال لهذا الكون، بما فيه من كائنات وبشر، فإذا أساء الإنسان استخدام هذه الأمانة، ستكون عاقبته وخيمة.
ملمح الإنسان الذي نريد
ولإعادة تشكيل شخصية الفرد العربي المسلم المعاصر، بإعادة صياغة عقليته ونفسيته وتنشيط بدنه، وتحريره من كل السلبيات والرواسب، وبعث روح الإيجابية فيه، لإخراج الأمة من حالة التيه والاستضعاف والسبات العميق، إلى اليقظة والقيادة والريادة، كونها خير أمة أخرجت للناس. نحتاج إلى مزيد من تعميق مفاهيم الإسلام في قضايا الإيمان والعقيدة، والفكر والسلوك والتربية والتوعية ،وتدريبه على اكتساب مهارات العصر. لإيجاد شخصية متشبعة بالقيم والمبادئ، متمكنة من مختلف العلوم والمعارف، متفهمة لواقعها، متزنة معتدلة. شخصية ربانية ارتباطها بربها متين، تؤثر الخالق على الخلق، والآخرة على الدنيا، وباعث الدين على باعث الهوى. تفهم جيدا رسالتها في الحياة، وتعي ما يدور في محيطها المحلي والعالمي، وتفقه موازين القوة من حولها، وتعرف كبف تدير شؤونها. تخدم وطنها بصدق وإخلاص، وتسهم في بناء صرح أمتها.
نريده أن يكون إيجابيا إن على مستوى التفكير أو المشاعر أو على مستوى المواقف والسلوك، أو على مستوى الإنجاز وترك الأثر الطيب. إنسان يتقن لغة الأعمال لا لغة الأقوال. قال الإمام حسن البنا عليه رحمة الله : " نريد الرجل المسلم في تفكيره وعقيدته، وفي خلقه وعاطفته، وفي عمله وتصرفه. فلا تقاس الجماعات والدعوات والأمم بكثرة المنتسبين إليها بقدر ما تقاس بنوعية الفرد من حيث صحة فهمه، وسلامة عقيدته، وقوة إيمانه ونبل أخلاقه، وتمسكه بمبادئ دينه وأصوله ومقاصده. إن التربية تعني صناعة الرجال والنساء من أجل التحقق بمواصفات محددة، إذا تمثلها الفرد وتحقق بها حقيقة تعكس الوجه الحضاري المشرق لهذا الدين. فما أحوج أمة الإسلام إلى تربية أفرادها على هذه القوة وهذا السمت."
لقد حثنا ديننا الحنيف، على أن نكون أقوياء في هذه الحياة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. قال تعالى في الآية 16 الأنفال: "...وأعدوا لهم ما استطعنم من قوة ..." وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير." الحديث رواه مسلم. وأول أنواع القوة: قوة الإيمان والعقيدة والأخلاق، قوة الفكر والعلم والثقافة، قوة البدن والعمل قوة الإنتاج والإنجاز، ثم تليها كل أنواع القوة المادية الأخرى، كالمال والاقتصاد وما إلى ذلك من الطاقات والموارد...
بناء ذات الإنسان
إن بناء ذات الإنسان فكريا ووجدانيا وبدنيا هو الواجب الأكثر استعجالا في هذا الوجود، وهو رأس الأمر وحجر الزاوية في التنمية الشاملة. وما أكثر الأخطاء والمنزلقات والمخاطر المترتبة عن إغفال هذه القضية الجوهرية والأساس في حياتنا، التي لم تنل الاهتمام اللازم والعناية المستحقة في كثير من بلدان العالم. مما أدى إلى انتشار كثير من الصراعات والحروب والمآسي، وتراكم المظالم وشيوع ذهنية الإقصاء والتهميش واحتقار الآخر، مما جعل الكثيرين يتجرعون الويلات ويتنفسون ضنك المعيشة. قال الدكتور عبد الكريم بكار في إحدى رسائله:"تجد اهتمام واضعي الخطط منصب على نحو شبه كلي على التنمية الاقتصادية، ويتم غض الطرف عن التنمية الإيمانية الخلقية والعقلية وكأن حاجات الإنسان المسلم مقتصرة على الدواء والغذاء والمسكن والملبس.إنهم بذلك يجعلون حاجاته قريبة من حاجات الحيوان. وكأنه لا مشكلة عندهم أن يكون الإنسان مستقيما أو منحرفا."
لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وكرمه وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا، وجعله خليفته في أرضه. وجعل من سلالته الأنبياء والرسل، كما أعطاه من العقل والروح والأحاسيس والمشاعر ما لم يعط أحدا من العالمين. فالروح والنفس والعقل والقلب، هبة ومدد، عطايا ونعم جليلة لا تقدر بثمن، تكرم بها الباري سبحانه على الإنسان، وبها ارتقى وسما بمكانته بين سائر المخلوقات.
لقد تجلت قدرة الخالق العظيم حين خلق الإنسان فصوره فأحسن صورته، وأودع فيه طاقة العلم والإرادة والحكمة والقوة والعقل. قال تعالى في الآية 6-7-8 من سورة الانفطار: "... ياأيها الإنسان ما غرك بربك الكريم، الذي خلقك فسواك فعدلك، في أي صورة ما شاء ركبك..." وثبت في كتاب الدعاء للطبراني عن ابن مسعود إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم كما حسنت خلقي، فحسن خلقي." وقول الشاعر الحكيم:
" أتحسب أنك جرم صغير **** وفيك انطوى العالم الأكبر."
- فما سر هذا التكريم والتفضيل والتمييز ياترى؟ ألسواد عيونه، أم لأمر آخر جلل؟ -1- يتبع-