عندما تجتمع العصا في حزمة واحدة، يصعب كسرها)
مثل كيني
فإن بلدًا مثل اليابان بعد الحرب العالمية الثانية بدأ بإعادة بناء نفسه وبناء قدراته الإنتاجية، وبعد سنوات قليلة من انتهاء الحرب ابتدأ تطبيق مفاهيم إدارية جديدة ضمن إطار نعرفه اليوم بإدارة الجودة الشاملة، وكان بالتالي تأسيس فرق العمل ـ بصورتها الأولية ـ في تلك الحقبة وما تلاها، فاستخدمت في اليابان ما نعرفه اليوم باسم "حلقات الجودة"Quality Circles، وهي فرق عمل متخصصة بموضوع تحسين جودة سلعة معينة، أو حل مشكلة في نوعيتها.
ومن المعروف أن المفاهيم الإدارية التي تلت الحرب العالمية كان لها دور رئيسي في التطور المذهل للصناعة اليابانية، مثل صناعة السيارات في السبعينات والثمانينات التي تفوقت على مثيلاتها في بلاد العالم.
ومنذ ذلك النجاح ازداد الكلام حول أهمية فرق العمل في تطوير الأداء وفي تحسين الجودة، وأصبح استخدام فرق العمل أمرًا شائعًا جدًا في الشركات والمؤسسات، ولم يقتصر استخدام فرق العمل على القطاع الصناعي أو القطاعات الربحية، بل تجاوزتها للقطاعات غير الربحية، مثل المؤسسات الدينية والخيرية، وبالطبع المؤسسات العامة والحكومية، وإن كان استخدام القطاع الحكومي لفرق العمل أقل منه في سائر القطاعات.
ما هي فرق العمل؟
تتعدد التعريفات لفرق العمل، غير أن التعريف الذي أراه سديدًا ويؤدي إلى خدمة المعنى المقصود هو: "مجموعة من الناس مرتبطة بتحقيق هدف معين، تتكامل جهودهم وخبراتهم، ويعملون سويًا، بحيث يكون مجموع أدائهم المشترك أكبر من مجموع جهودهم الفردية في سبيل تحقيق النتيجة المنشودة".
فرق العمل … لماذا؟
نشأت فرق العمل في المؤسسات؛ نتيجة لضغوط قوية نحو مزيد من الفعالية والكفاءة في الإنتاج، مع الأخذ بعين الإعتبار حاجات المتعاملين مع المؤسسة وطبيعة العاملين فيها وحاجاتهم.
ولعلنا نجمل هذه الأسباب بالأمور التالية:
1. مواجهة الآثار السلبية للتخصص:
فالأداء ضمن فرقة عمل يقلل الرتابة (الروتين)، ويتطلب من العامل أن يعمل على تطوير نفسه ومهاراته، وربما تتغير طريقة تعاطيه مع زملائه بحيث يتعرف إلى وجهات نظر أخرى وتتوسع آفاقه، ويتعلم أن حسن التعامل مع زملائه ضروري للإنجاز، وبالتالي تنغرس في نفسه روح العمل الجماعي، التي يرجى أن يكون لها دور إيجابي في أداء الفريق، وبالتالي أداء المؤسسة.
2. محدوديات الهيكليات الإدارية:
إن الهيكلية الإدارية التقليدية العادية, والتي تُقَسِّم النشاطات الإدارية إلى أقسام لا تستطيع أن تفي بمختلف الحاجات الموجودة في المؤسسة، ولا تستطيع مواجهة مختلف التحديات التي تواجه المؤسسة من داخلها وخارجها.
إن تخصص الوزارات والإدارات والهيئات الحكومية أمر مطلوب ومتوقع، حتى لا تتضارب الصلاحيات والمسؤوليات، ولكن هناك العديد من التحديات والمشاكل التي لا تنتمي إلى إدارة بمفردها، أو إلى هيئة لوحدها بل كثيرًا ما تتقاطع.
فعلى سبيل المثال مشكلة مثل مشكلة البطالة لا تعني مؤسسة بعينها دون غيرها، فتتقاطع فيها وزارات وإدارات معينة بالواقع الإقتصادي، والشئون الإجتماعية، والتربية والتعليم، والتنمية الإدارية وغير ذلك، وهذا المثال بالطبع مثال واسع وشامل، غير أن المرء يستطيع ذكر العديد من التحديات، والتي هي ربما أقل حجمًا، ولكنها تستدعي جهودًا مشتركة من عدد الهيئات والإدارات العامة، وحينذاك يصبح دور فرق العمل وما يمكن أن تقدمه لتحليل المشكلة واقتراح الحلول لها أكثر بروزًا.
أضف إلى ذلك أن فرق العمل تتميز بالمرونة، ولهذا فهي أكثر إستجابة للمتغيرات التي تطرأ في واقع المؤسسة من التشكيلات الإدارية التقليدية التي يغلب عليها الجمود في الكثير من الأحيان.
3. ظروف العمل:
إن بعض الظروف التي تمر بها المؤسسة، أو بعض التحديات تتطلب مهارات مختلفة وخلفيات متنوعة وخبرات متعددة، وفي تلك الحالات تصبح الإستفادة من مواهب العاملين باختلاف مهاراتهم وخبراتهم ضرورية، ولا يمكن أن تتم بفعالية وكفاءة إلا من خلال جمعهم في فريق عمل متكامل بهدف مشترك.
4. مشاركة العاملين وتمكينهم:
لا تقتصر فوائد فرق العمل على المزيد من الفاعلية والكفاءة، بل أن فرق العمل بحد ذاتها هي فرصة لتحفيز العاملين وتمكينهم، وإضفاء جو من الثقة والمشاركة، وهذا بدوره يساهم في رفع مستوى الأداء ويحسن في نوعية وجودة الخدمات التي يقوم العاملون بتأديتها.
إن الإدارة التي تشكل فريق عمل لهدف معين، هي إنما تقول للموظفين والعاملين في ذلك الفريق: "إننا واثقون من قدرتكم ومهاراتكم، كما أننا واثقون من أمانتكم وحسن رعايتكم للمهمة الموكلة"، وفي هذه الرسالة غير المباشرة الكثير من التشجيع والتحفيز لمعظم العاملين.
وهناك ثمة منافع أخرى لتشكيل فرق العمل، منها ما يأتي:
- تحسن في الأداء ناجم عن وجود قاعدة عريضة من المعرفة والخبرات.
- إبداع أفضل ونظرة أكثر شمولية وإزدياد في الفاعلية عند التصدي للمشكلات.
- استعداد ورغبة في الإستجابة للتغيرات والمجازفة.
- مسؤولية مشتركة في إنجاز المهام وإلتزام مشترك بالأهداف.
- تفويض بالمهام أكثر فاعلية وأثرًا.
- بيئة عمل لأعضاء الفريق تتسم بمزيد من التحفيز وخلق الدوافع.
ما هي أنواع فرق العمل؟
يمكننا تصنيف فرق العمل إلى عدة أنواع تبعًا للأسباب الكامنة وراء تشكيلها، أو بالأحرى تبعًا لأهدافها، ويمكننا هنا عرض ثلاثة أنواع من فرق العمل:
1. فرق عمل مخصصة لحل مشاكل معينة Problem Solving Teams:
تتكون فرق العمل هذه من عدة أعضاء بهدف حل مشكلة معينة، وهي بهذا تتقارب من "حلقات الجودة" التي ذكرناها سابقًا، غير أنها تتميز عن "حلقات الجودة" بكون أهدافها لا تقتصر على تحسين الجودة، بل يمكن أن يشكّل الفريق بهدف تحسين العملية الإنتاجية، أو حل مشكلة معينة في التسويق مثلًا، وغير ذلك.
وفرق العمل هذه تصدر تقارير توصية إلى الإدارة وتضمنها توصياتها وملاحظاتها، ولا يُعطى في العادة لهذه الفرق صلاحية إتخاذ القرارات، بل تقتصر صلاحياتها على إصدار التوصيات والنصائح، أو عرض الوقائع.
ونجد فرق العمل هذه في القطاع العام في العديد من البلدان، فعلى سبيل المثال شكّل حاكم ولاية أوكلاهوما الأمريكية في عام 1995 فريق عم لدراسة الأداء الحكومي في تلك الولاية؛ بهدف معرفة وضع الخدمات التي تقوم بها مختلف الدوائر الحكومية، وكيفية تحسينها، وأعطى الفريق فترة زمنية محددة لإصدار توصياته إلى الحاكم.
ومن ثم تم تشكيل فرق عمل فرعية، وأعطت الحاكم توصياتها في نواح عديدة منها:
- شبكة المواصلات.
- التربية والتعليم.
- الصحة والخدمات الإنسانية.
- السلامة العامة.
- المالية العامة.
- إدارة الموارد البشرية.
2. فرق عمل مديرة لنفسها Self-Managing Teams:
بخلاف النوع الأول من فرق العمل التي تصدر توصياتها إلى الإدارة، تقوم فرق العمل هذه بالإدارة الذاتية لمعظم شؤونها، بما فيها التخطيط للعمل، وجدولته الزمنية، وإتخاذ القرارات، والتنفيذ، مما يخفض من الحاجة إلى جهد إشرافي متواصل من قبل الإدارة.
وبالرغم من أن فرق العمل هذه طُبقت بنجاح في العديد من المؤسسات، غير أن الواقع كذلك أنها لم تنجح في مؤسسات أخرى، لا توجد لدينا معلومات كافية لتحديد أسباب النجاح أو الفشل، غير إن ما نستطيع أن نقوله أنه ينبغي الحذر والتحفظ عند تشكيل هذا النوع من فرق العمل؛ والسبب في ذلك يعود إلى أن تفويض صلاحية إتخاذ القرار في مسألة معينة، يجب أن يتم بعد دراسة متأنية لطبيعة القرارات، التي ينبغي أن تتخذ، ومدى حساسيتها.
3. فرق عمل من أقسام مختلفة Cross-Functional Teams:
تتشكل فرق العمل هذه من أقسام مختلفة وإدارات متنوعة، تجتمع لحل مشكلة معينة، أو تحقيق هدف معين، وتبقى الفائدة الرئيسية لفرق العمل هذه أنها تحتوي على أشخاص متنوعين أصحاب خبرات مختلفة وخلفيات متعددة، مما يطور من جودة القرارات المتخذة.
وإضافة إلى المثال السابق الذي ضربناه عن ولاية أوكلاهوما، قام حاكم تلك الولاية أيضًا بتشكيل فريق عمل أسماه فريق الأداء Performance Team، مكون من خمسين موظفًا يعملون في دوائر مختلفة من دوائر الولاية الحكومية، وعلى إتصال مباشر بالموظفين وبالقضايا الأساسية التي تهم حكومة الولاية، ويهدف هذا الفريق إلى تحسين الأداء الحكومي وتوفير المال، وهما هدفان قد يبدوان متعارضين في الظاهر، ولكن الحقيقة ليست بالضرروة كذلك.
وأخيرًا:
تذكر ما قاله بريان تراسي: (يتم إنجاز العمل بروح الفريق، نتيجة القائد هي نتيجة فريقه)، وسوف نكمل في المرة القادمة ـ إن شاء الله ـ الجزء الثاني من إدارة فرق العمل.
أهم المراجع:
1. بناء فرق العمل وإدارتها، د. عبد الكريم حسين.
2. الإنتصار مع فرق العمل، كاترين كاريفلاس.
3. قيادة فريق العمل، مطبوعات كلية هارفرد لإدارة الأعمال.
4. القيادة الفعالة، بريان تراسي.