أو فلنقل الأسرة الربانية التي تظهر لنا بوضوح، وخاصة في هذه الأيام، لنتعلم كيف تكون وكيف نذوق حلاوة هذا الدفء، إذ يعرضها لنا القرآن كأنها مشاهد من قصة سيدنا إبراهيم الخليل وابنه الذبيح إسماعيل وزوجته الطاهرة القدوة هاجر، وكيف أنهم جميعًا حافظوا على هذا الدفء حتى في أصعب المواقف وأشدها على الثلاثة، وتعالوا نرى كيف حافظ كل فرد على الدفء، بدءًا من أمنا الصابرة المحتسبة هاجر، وكيف تلقت خبر الذبح باحتسابٍ عند الله، وكيف أن إبليس كلما جاء ووسوس إليها رجمته، واستعاذت بالله منه، وليس غريبًا عليها فهي التي صمدت قبل ذلك حينما تركها سيدنا إبراهيم، وكيف كان ابنها يموت بين يديها من العطش، ومع ذلك لم تذكر زوجها بسوء، أو أوغرت صدرها ضده، ولكنها لجأت إلى الله العلي القدير الذي أكرمها واستجاب لدعائها وخلَّد ذكراها إلى الأبد إعظامًا لدورها.
ثم نأتي لدور أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم، ولنا أن نقف مع طريقة عرض سيدنا إبراهيم لسيدنا إسماعيل، هل نشعر أنه قدم الأمر لابنه بطريقة عادية أو بسيطة، أم أنه فكر وخطط ثم صاغ الأمر بأسلوب محبب إلى النفس يخفف عنه ألم الصدمة، بل ويساعده على الطاعة، وذلك حتمًا تعامل بالحوار، ووجه الخطاب لابنه بكلمات كلها دفء وحب وحنان، ولنا أن نتخيل نظرة سيدنا إبراهيم ونبرة صوته وملامح وجهه.. بلا شك كانت تنطق بالحب والعطف والرعاية والاحتواء.
ثم ننتقل إلى نقل الأمر الرباني بتوضيح الأحداث بقوله ﴿يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ﴾، أي أن معايشة أولادنا في أحداث حياتنا بطريقة حانية لا بد أن يسبق حوارنا حتى يتفاعل معنا الأبناء ويشاركونا في القرار، وحتى يحدث ذلك لا بد لنا كمربين من وقفات مع أنفسنا، ولا نجعل ضغوط الحياة مدعاة لأن ينفث كل فرد منا غضبه فيمن حوله.. مدعيًا أنه مضغوط ولنسأل أنفسنا هل هناك ضغطة أشد من الضغط النفسي الذي تعرض له سيدنا إبراهيم؟
وهل تحدث مع سيدنا إسماعيل بنفس درجة الضغط النفسي الخاص به أم أنه تحكم في نفسه، هذا هو الدور المطلوب منا والذي يعلمنا إياه الله تبارك وتعالى حتى لا نرتكب معاصي وذنوبًا لا حصر لها مدَّعين أننا عصبيون أو أن الضغوط أكبر منَّا أو...
وقمة الحرية حينما يقول له ﴿فَانظُرْ مَاذَا تَرَى﴾ إنه استفهام يعطي الأبناء شعورًا قويًا بالحرية، ويعطيه اتزانًا انفعاليًا مما يساعده على التفكير المتوازن والصحيح، وهذا ما نراه في ما قاله سيدنا إسماعيل ﴿يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ﴾، أي أنه لم يختر القرار الرباني فقط بل وكان حريصًا على مشاعر أبيه، وهذا سر الدفء الأسري.
أي أن كل فرد حريص على مشاعر الباقين، فلا أمنا هاجر تعاتب سيدنا إبراهيم ولا سيدنا إسماعيل يعاتب أبيه، وهذه المشاعر لا تأتي إلا بقواعد: منها بركة الطاعة، فالمعصية لها شؤم والطاعة لها نور في القلب وراحة واطمئنان.. لقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "إن الله بقسطه جعل الروح والفرج في الرضا واليقين وجعل الهم والحزن في الشك والسخط ".
إن آثار المعصية تظهر على أقرب شيء إلى المرء.. في الزوج أو الزوجة أو الأبناء أو.. الحوار معهم بطريقة جافة، وكذلك من الشؤم تكرار الشكوى من الزوج أو أهله بلا صبر واحتساب.
لذلك ركزي جهودك في بذل الجهد للوصول لأقصى درجات السعادة والراحة، واصنعي من الليمون اللاذع شرابًا حلوًا، وضخمي من إيجابيات زوجك وأولادك وسيقابلون ذلك بنفسي التقدير لك ولو بعد حين.
واحذري أن تركني إلى التكاسل في البحث عن أسباب السعادة بالتشمير عن ساعد الجد والصبر والاحتساب، وترفعي عن الوساوس ومفاتيح الشيطان التي تجعل أوهام الشقاء في قلبك حقيقة، وتحرمك من دخول الجنة ومن الهناء التام والسعادة الخالصة.. كوني مرحة وصمي أذنيك عن ما يغضبك.
----------------
* خبيرة متخصصة في العلاقات الأسرية ومدير مركز السعادة للاستشارات الأسرية بالإسكندرية