مفارقات بين.. ليبيا الأمس واليوم
الأربعاء 04 ربيع الثاني 1432 ـ الموافق 09 مارس 2011
بقلم الأستاذ الدكتور :- صلاح سلطان
ليبيا الأمس يحكمها نظام فريد في نزقه وجنونه وغرابته وبطشه وطغيانه وشراسته وغروره وفجوره، واليوم يثور الشعب كله على هذا الطغيان الرهيب بصدور لا تحمل سوى اليقين بربها والرغبة في التخلص من حكم دام 42 عاما تقلب فيه بين نزوات فردية وعائلية جعلت المفكر العربي السياسي عزمي بشارة يقول: لا ينبغي أن يكون شعارهم في التغيير مثل مصر في ثورة 25 يناير: "الشعب يريد تغيير النظام "حيث كان الطغيان والفساد في النظام المصري مقننا ومنظما بمنهجية فرعونية مرتبة، أما ليبيا فتحتاج لشعار آخر: " الشعب يريد إنشاء النظام"، وصدق مَن قال: "عدو عاقل خير من صديق جاهل"، فكيف إذا كان العدو جاهلا ومجنونا ومغروراً وعنيداً، لقد كان العقيد الليبي يعلن دون خجل أن العالم فيه ثلاث منظومات: الشيوعية والرأسمالية والجماهيرية، وقد سقطت الشيوعية، وستسقط الرأسمالية ولن يجد العالم خياراً سوى أن يختار نموذج الجماهيرية والكتاب الأخضر، وكأن الإسلام غير موجود بين هذه المنظومات ويتبعه مليار ونصف إنسان في العالم، و هذا يذكرني بهذا الطالب المغرور الذي قال لأحد أساتذة النقد الأدبي بكلية دار العلوم إنني شاعر أفضل من عنترة وامرؤ القيس وأبي تمام والبحتري والمتنبي وشوقي! فقال الأستاذ: إذن، اقرأ عليَّ من شعرك، وبدأ الشاب المغرور يقرأ ويقرأ وأطال الوقت في ذكر أهازيجه وبعد أن انتهى قال للأستاذ: ما رأيك؟ فقال: والله يا بني أنت فعلا شاعر عظيم وشعرك رائع ولا ينقصه إلا عيبان فقط: الشكل والمضمون، وهنا انهار الطالب تماما، واليوم سينهار هذا الغرور الأجوف شكلا ومضمونا بعد أن أفرغ آخر قصائد إفلاسه في حمم من النيران الجوي والصواريخ على شعب ليبيا الأبي؛ فلم يُبق أحداً في العالم يتعاطف معه مثل موقعة "الحمير في التحرير" التي لطخت وجه النظام المصري قبل أنفاسه الأخيرة، وجعلته أضحوكة العالم، لكن العالم الآن يضجُّ من القتل وحجم القسوة التي رُمي بها القذافي وولده الفاجر الظالم سيف الإجرام، الذي كان يُظن به الخير لكن الطبع يغلب التطبع، والإناء بما فيه ينضح، ومن رُبي في بيئة فاسدة إذا أراد أن يكون صالحا فكأنما يُنحت من صخر، فإن عاد إلى طبيعته وبيئته وتصرف في الطغيان والظلم والقهر فإنما يغرف من بحر، بحر الخيبة والجهل والظلم والغرور والفجور.
لعل فجور اللانظام الليبي إلى حد قذف شعبه بالطائرات واستجلاب مرتزقة قساة القلوب ينحرون الناس نحراً ويصوِّبون الرشاشات لرؤوس المتظاهرين سلميا هو الذي جعل العلامة الشيخ القرضاوي ولأول مرة في حياته يفتي الضباط والجنود الذين يأمرهم القذافي بقتل الشعب بالجملة أن يوجهوا لهذا الفرد الطاغية رصاصة في رأسه ويُقتل القذافي نفسه، ومع خطورة الفتوى لكنها تأتي في إطار: لكل فعل رد فعل مساو له في القوة ومضاد له في الاتجاه.
أحيي أحرار ليبيا في الميدان، ووزير العدل وأعضاء السلك الدبلوماسي في دول شتى ورئيس المراسم في ديوان أو خيمة أو "خيبة" القذافي أن أعلنوا براءتهم وغسلوا أيديهم من هذا الطاغية ومظالمه.
يبقى علينا أهل العلم والفكر والإعلام والصحافة والرأي وشعوب العالم أن نساند العُزَّل المسالمين الذين أحبوا بعد 42 عاما أن يتنفسوا من غير خيشوم القذافي بعد أن رأوا "عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ" (المعارج:37) من أهل مصر وتونس يتخلصون من طغاتهم، فكيف يبقون بين الدولتين الحرتين عبيداً للقذافي وعائلته؟!.
بين النصر والهزيمة صبر ساعة، ولعلها تكون ساعة الإجابة يوم الجمعة التي رحل فيها بن علي ومبارك، ويكون شهر يناير(1) قد تخلصنا من طاغية واحد، وشهر فبراير(2) نتخلص من طاغيتين، وتستمر مع مارس لثلاثة ونخلص بدري من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب!