هكذا نخدم قضية فلسطين
عنوان المقال: هكذا نخدم قضية فلسطين
الكاتب: السيد عبد العزيز كحيل
التصنيف: سياسة
إذا كانت قضية فلسطين بالنسبة للرأي العام العالمي والعلمانيين في البلاد الإسلامية مسألة أرض وسياسة فهي بالنسبة للمسلمين مسألة دين وعقيدة أي أن الخوض فيها _في مجالات التنظير والمفاوضات والمقاربة والأخذ والرد_يخضع لمنطلقات وضوابط شرعيّة مستقاة من المرجعيّة الإسلاميّة يجب أن يلتزم بها أي مسؤول وهو يدافع عن القضية بأيّ شكل، كما أن إسلامية القضيّة تقتضي أن يحتضنها كل مسلم باعتبارها من مقدساته وأوجب واجباته، فهي تتجاوز الدائرة الفلسطينية والعربية الّتي تعمل أكثر من جهة على حصرها فيها ليحتضنها المسلمون في القارات الخمس، وهذا الأمر محسوم من الناحية الشعورية فالقلوب مع فلسطين من موريتانيا إلى أندونيسيا، ومن الطرائف الموحية أن دولة مالي _ بالصحراء الإفريقية _ أحيت منذ أسابيع ذكرى استشهاد الطفل الفلسطيني محمد الدرة الّذي قتله جنود الصهاينة وهو يحتضن والده وأقامت احتفالاً لهذا الغرض.
لكن قضيّة فلسطين تحتاج _ بالإضافة إلى الشحنة العاطفية الّتي تبقيها حية وتحول دون نسيانها والتفريط فيها _ إلى أشكال متعدّدة من الاهتمام والدعم، وهو ما يريد عامة المسلمين معرفته للإسهام في خدمة قضيتهم المركزيّة، وقد تدارس هذا الأمر عدد من المؤتمرات وكتب فيه أكثر من واحد، وحسبي أن أشير في هذا المقام إلى بعض ما يمكن للمسلمين فعله كأفراد وكهيئات شعبية ليكون مجهوداً من أجل فلسطين ويؤدّي بالتراكم إلى نتائج إيجابية، ثم هو _ على أقل تقدير _ معذرة إلى الله وإبراء للذمة بترتب عليه أجر وثواب.
إنّنا نستطيع خدمة فلسطين على ثلاثة مستوياتٍ: ذهني وشعوري وسلوكي:
1. المستوى الذهني: إذا اعتبرنا القضية دينيّةً عقيدية مقدّسة ترتب على ذلك الإيمان بأنّها مرتبطة بالثواب والعقاب ينالهما من أدّى الواجب من جهة ومن فرّط فيه من جهة أخرى، فهي صنو التكاليف الشرعية التي يسأل الناس عنها يوم القيامة، وهذا المعنى يجب أن يعتقده المسلمون اعتقاداً ويربوا عليه الأجيال، ولو لم يكن في القضيّة سوى المسجد الأقصى لكفى لتكييفها تكييفاً عقديّاً، فهو أولى القبلتين وثالث المسجدين، والتفريط فيه نظير التفريط في الحرمين المكي والمدني، ثم هاهم اليهود _ وعلى رأسهم قادتهم العلمانيون !_ يصبغون ما يسمّى "إسرائيل" صبغة دينية صرفة ويعلنون ذلك ويباهون به، ونحن أولى بذلك فنحن على حق هم غزاة معتدون يركبون الباطل.
وممّا يجب الإيمان به أن اغتصاب فلسطين ابتلاء سينقشع من غير شك، وقد بقيت القدس في يد الصليبيين 90 عاماً ثم تحرّرت على يد المجاهدين، والابتلاء نواجهه بالصبر والثبات والمقاومة والإعداد ليوم النصر الّذي لا شكّ فيه "ولينصرن الله من ينصره إن الله لقويّ عزيز" (سورة الحج22)
ويترتب عن هذا أن التفريط في أي جزء من فلسطين معصيّة لله وجريمة في حق الأمّة، فكيف بالاعتراف بشرعيّة دولة الاحتلال؟ بل يجب الاعتقاد بحرمة التفاوض مع الصهاينة ماداموا يحتلّون الأرض ويقتّلون الأبرياء _ كما هو دأبهم ودينهم _ وإذا فشل جيل في تحرير فلسطين فلا يجوز أن يتنازل عن القضيّة "فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلّنا بها قوماً لبسوا بها بكافرين" (سورة الأنعام 89) وقال تعالى "وإن تتولّوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم" (سورة محمد 38)
2. المستوى الشعوري: يجب تنمية الشعور الوجداني بالانتماء لفلسطين بحكم وحدة الأمة الإسلامية "إنّ هذه أمّتكم أمّة واحدة" (سورة الأنبياء92) تماماً كانتماء أ ابن البلد لبلده وذلك بمقتضى آصرة الأخوة الإسلاميّة، وهذا شعور مهمّ بسهم في إبقاء القضيّة حيّة في قلوب المسلمين في أقطار الدنيا رغم تقلّبات السياسة ومغامرات السياسيّين الّتي قد تصل إلى التنازل عن بعض الأرض أو كلّها بذريعة الواقعيّة ونحوها، ويستحيل أن تضيع قضيّة تحملها الجماهير المؤمنة في قلوبها وتتحيّن الفرص السانحة للفصل فيها وإخراج العدو الصهيوني من بيت المقدس وأكنافه.
ونستطيع خدمة هذه الغاية بشعر الشعراء وإنشاد المنشدين وإنتاج المبدعين في جميع المجالات كالسينما والمسرح. وأشير إلى وجوب رفع صور المسجد الأقصى وتعليقها في البيوت والمحلاّت والأنديّة، والمؤسف أن يتم نشر صورة مسجد قبة الصخرة حتّى أصبح المسلمون يظنّون أنّه هو الأقصى، وهذا خطأ وخطر لأن اليهود قد يعمدون إلى هدم هذا الأخير والأبقاء على الأول فلا يتحرّك المسلمون وتنطلي عليهم الخدعة، وما أسهل هذا على الصهاينة المراوغين.
ثم إن من أوجب الواجبات رسوخ فكرة العداء لليهود المعتدين في قلوبنا والاقتناع التام بحرمة التطبيع مع دولة الاحتلال، فإذا استطاعوا إخضاع الحكام استعصت عليهم الأمّة بنخبها وجماهيرها حتّى لا يرتفع رأس دعاة التطبيع بل يعزلون ويستهجن موقفهم، وهذا يؤدّي إلى ضرورة مقاطعة ما يسمّى بدولة إسرائيل ثقافيّاً وريّاضيّاً وإعلاميّاً واجتماعيّاً، وعدم كسر حاجز البغض لها.
ومن المهمّ رفع شأن المقاومة ورموزها مثل عز الدين القسام والشيخ أحمد ياسين عليهما رحمة الله، وكذا رموز الصمود مثل الحركة الإسلامية في داخل فلسطين المحتلّة وقائدها الشيخ رائد صلاح حفظه الله.
3. المستوى السلوكي: إذا استقرّت قضيّة فلسطين في الأذهان كواجب شرعي رسخت في القلوب فاخترقت بها انعكس ذلك حتماً على المستوى العملي السلوكي في شكل أنواع من التحرّك الميداني للدفاع عن القضيّة ونصرتها سيّاسيّاً وإعلاميّاً متى استطعنا إلى ذلك سبيلا، وواجب إمداد المقاومة الفلسطينيّة بالمال والسلاح وتجاوز كل العقبات لإيصالها إليها، كما ينبغي فضح المخطّطات الصهيونية المختلفة لتهويد القدس وهدم المسجد الأقصى وذلك باقتحام شتّى وسائل الإعلام وإلقاء المحاضرات وتأليف الكتب وإقامة المهرجانات والندوات محليّاً وعالميّاً، ثم إن من أوجب الواجبات الضغط الشعبي المكثف والمتواصل على دعاة التطبيع مع الصهاينة وفضحهم _ بالحق لا بالباطل _ والتضييق على تحرّكهم ونشاطهم من أجل تحجيمهم وتبغيض مسعاهم للرأي العام الإسلامي والحيلولة دون اتّساع دائرتهم لأنّ وراءهم دوّلاً وأنظمةً ومؤسّساتٍ ماليّةً وإعلاميّةً، لكن "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" (سورة الأنفال 30 )
وبهذا نؤدّي _ نحن البعيدين جغرافيّاً عن فلسطين _ بعض الواجب نحو قضيّة المسلمين الأولى ونشعر إخواننا في أرض النبوات أن معهم ملايين من المسلمين يقاسمونهم المعاناة شعوريّاً ويعملون بوسائل متعدّدة لنصرتهم حتّى تسترجع الدرة المفقودة ويرحل الاحتلال المتغطرس بإذن الله.[b]