الظلم ظلماتالسبت 07 ربيع الثاني 1432 ـ الموافق 12 مارس 2011
ثم نزه الله نفسه عن الظلم فقال (
ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (آل عمران:182)، وأمر الله نبينا صلى الله عليه وسلم بالقسط فقال سبحانه"
وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين"، وخاطب أمته فقال:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة: من الآية
، وقال تعالى (
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) (النحل: من الآية90) وأنزل سبحانه الكتب وأرسل الرسل لإقامة العدل، قال تعالى (
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (الحديد: من الآية25).
وقد ورد في كتاب الله وسنة نبيه تحريم الظلم بكل أنواعه وجاء في الحديث القدسي (
يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا)، كما جاء في حديث المصطفى (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة). وأعظم الظلم، ظلم العبد لربه بالشرك " إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ "، ثم ظلمه للناس، " إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ "، ثم ظلم العبد لنفسه "فمنهم ظالم لنفسه "، وهذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس، فإن الإنسان في أول ما يَهُمُّ بالظلم فقد ظلم نفسه.
وقال الجاحظ: الظلم هو الخروج عن الاعتدال في جميع الأمور، والسرف والتقصير وأخذ الأموال من غير وجهها، والمطالبة بما لا يجب من الحقوق، وفعل الأشياء في غير مواضعها، ولا أوقاتها، ولا على القدر الذي يجب، ولا على الوجه الذي يجب، والتصرف في حق الغير، ومجاوزة حد الشارع.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء رجل فقعد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني، وأشتمهم وأضربهم، فكيف أنا منهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "
إذا كان يوم القيامة يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك، وعقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا لا لك ولا عليك، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل". فتنحى الرجل وجعل يهتف ويبكي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما تقرأ قول الله: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ " فقال الرجل: يا رسول الله، ما أرى لي ولهؤلاء خيراً من مفارقتهم أشهدك أنهم كلهم أحرار". رواه الترمذي (3165).
ما جاء في ظلم الحكام والأمراءعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي، إمام ظلوم غَشُوم، وكل غال مارق"، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم "أربعة يبغضهم الله، البياع الحلاف، والفقير المحتال، والشيخ الزاني، والإمام الجائر". رواه النسائي.وعنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكه إلا العدلٍ " رواه أحمد.
الترهيب من تصديق الظلمة وإعانتهم-عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَن بدا جفا، ومن تبع الصيد غَفَل، ومن أتى أبواب السلطان افتتن، وما ازداد عبد من السلطان قرباً إلا ازداد من الله بعدا" رواه أحمد.
قال المباركفوري "من أتى أبواب السلطان من غير ضرورة وحاجة لمجيئه، وقع في الفتنة، فإنه إن وافقه فيما يأتيه ويذره فقد خاطر على دينه، وإن خالفه فقد خاطر على دنياه.
وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عُجرة: " أعاذك الله من إمارة السفهاء، قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: أمراء يكونون بعدي لا يهتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا يردون على حوضي ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك مني وأنا منهم، وسيردون على حوضي". رواه أحمد.
وقال المظهر: من دخل على السلطان وداهنه وقع في الفتنة، وأما من لم يراهن ونصحه وأمره بالمعروف ونهاه عن منكر فكان دخوله عليه أفضل الجهاد، كما جاء في حديث المصطفى " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر أو أمير جائر " رواه أبو داود.
الاستعاذة من الظلم والظالمينكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من بيته قال: " بسم الله توكلت على الله، اللهم إني أعوذ بك أن أَضل أو أُضل، أو أَزل أو أُزل، أو أَظلم أو أُظلم، أو أجهل أو يجهل علي"، وكان يقول عند الكرب: " لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض، ورب العرش الكريم". رواه البخاري.
ولنا من قصة غلام بني إسرائيل دعاء "
اللهم اكفنيهم بما شئت"، لما ذهبوا به فوق الجبال ليفتنوه عن دينه وإلا يطرحوه، فقاله: فرجف الجبل فسقطوا، ونجاه الله، ثم فعلوا به ذلك في البحر فدعا به فنجاه الله.