وقفات مع الدعاة في رمضان
بقلم: وليد شلبي
إن من نفحات الله المباركة علينا شهر
رمضان المبارك؛ الذي يُعد مدرسةً للأمة للتقربِ إلى ربها، وتنقيةِ نفوسها،
ومراجعةِ أهدافها وخطواتها، واغتنامُ هذه الفرصة الثمينة والهدية الربانية خيرُ
زاد للسائرين على طريق الدعوة إلى الله.
شهر رمضان الكريم مليء بالخيرات
والبركات والنفحات التي ينبغي لنا- كلٌّ حسب موقعه وعلمه- أن ينهل منها ويستزيد؛
طاعة وقربى إلى الله، واستزادة من الخيرات في هذا الشهر الكريم، مصداقًا لقول
المصطفى- صلى الله عليه وسلم-: "لو علمت أمتي ما
في رمضان لتمنت أن تكون السنة كلها رمضان"، وعن أنس بن مالك قال: قال
رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "افعلوا الخير
دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله؛ فإن لله نفحاتٍ من رحمته، يصيب بها من يشاء من
عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم وأن يؤمن روعاتكم".
وفي طليعة من يجب عليهم الاستزادة من
خيرات رمضان وفيوضاته هم الدعاة إلى الله؛ حيث إنهم طليعة الأمة وقادتها ومُثُلَها
العليا، وهكذا يجب أن يكونوا.
واستزادة الدعاة إنما تكون على عدة
مستويات سواء كانت شخصية أو عامة:
فعلى المستوى الشخصي ينبغي على الداعية
الاستزادة من الخير والثواب والفرص الإلهية والمنح الربانية في رمضان، ومن ثم
يدلوا الأمة عليها، ففاقد الشيء لا يعطيه.
وعلى المستوى العام يجب عليهم الحركة
والتأثير الفعال في المجتمع، وليكونوا متمثلين بالقرآن وآدابه وتعاليمه وأحكامه
ليكونوا "قرآنًا يمشي على الأرض"، كما كان سيد الدعاة وإمامهم- صلى الله
عليه وسلم-.
وهذا ما سنحاول طرحه في هذه السلسلة:
كيف للداعية أن يجعل من رمضان نقطة انطلاق وتغيير له ولمجتمعه كله نحو الأفضل والأقوم
بإذن الله؟.
- الوقفة الأولى: نفسك..
نقطة البدء:
وليعلم الداعية أن رمضان عنده ليس كما
عند عامة الناس، فإنه مكلف أن يغتنم رمضان لنفسه أولاً، ثم يجعله للناس غنيمة
ثانيًا.. إذ ما قيمة داعيةٍ استأثر برمضان لنفسه في مسجده أو معتكفه؟
وما فائدة الداعية إن لم يغنم لدعوته
ثلة من الناس في رمضان؟
إن الغنائم الرمضانية ليست من نصيب
الدعاة وحدهم باخلين بها على من سواهم.
فكل داعية بهمته فمنهم من يؤجر بأجر
عشرة، ومنهم بمائة ومائتين، وغيرهم بألف وألفين.. فاشحذ همتك وشمِّر عن ساعدك،
واطمح أن تُؤجر في رمضان بعدة آلاف أو ملايين وما يدريك ... ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ (المطففين:
من الآية 26)، ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ
يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (المائدة: من الآية 54).
- استقبال المصطفى صلى الله
عليه وسلم:
لذا كان النبي- صلى الله عليه وعلى آله
وصحبه وسلم- إذا استهل شهر رمضان استقبل القبلة بوجهه ثم قال: "اللهم أهلَّه علينا بالأمن والإيمان والسلامة
والإسلام.. هلال خير ورشد".
فبمثل هذا الاستقبال النبوي الكريم يجب
أن تهتز نفوس الدعاة فيهبّوا لاستقبال رمضان كما استقبله النبي الكريم- صلى الله
عليه وعلى آله وصحبه وسلم- وكلهم آمال، وألا تتعلق قلوبهم بسواه أو تحن أرواحهم
إلى غيره.
وليستدبروا الدنيا بمتاعها وزينتها،
محققين في أنفسهم قول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَمَا عِنْدَ
اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ (القصص: من الآية 60)، على المستوى الفردي.
فرمضان أفضل مدرسة تربوية لكي يتدرب
فيها الداعية على تقوية الإرادة في الوقوف عند حدود ربه في كل شيء، والتسليم لحكمه
في كل شيء، وتنفيذ أوامره وشريعته في كل شيء، وليضبط جوارحه وأحاسيسه جميعًا عن كل
ما لا ينبغي له فعله؛ ليتحصل على تقوى الله في كل وقت وحين.
وأول من ينبغي له الالتحاق بهذه المدرسة
الفريدة هم الدعاة، ليستزيدوا من تربية أنفسهم، وتنقيتها مما علق بها على مدار
العام، ويرفلوا في ثوب التقوى الرمضاني الفضفاض ﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾ (البقرة)، فرمضان
فرصة عظيمة للتزود من التقوى وتنميتها وترسيخ معانيها في النفس في هذا الشهر
الكريم.
فليكن للداعية حال خاص مع الله في
رمضان؛ ليحقق مفهوم الصوم الحقيقي على نفسه ابتداءً حتى يحقق التقوى الحقيقية فيما
بعد، فليكن له حال مع المواظبة "صلاة الجماعة، وتلاوة ومدارسة القرآن،
والإكثار من النوافل والأذكار الراتبة، وملازمة كثرة الذكر والاستغفار في كل
الأوقات".
ولا ينسى نصيبه من قيام الليل، ومجالسة
الصالحين، والمكث في المساجد، والمدارسة النافعة، وليكن له حال خاص مع القرآن تلاوةً
ومدارسةً وفهمًا وتطبيقًا.
فهذه الطاعات وغيرها هي الوقود الدافع
للداعية للحركة والتأثير بين الناس، فحسن الصلة بالله والإخبات له وطاعته فيما أمر
واجتناب ما نهى هي من أهم المعينات للداعية على طريق الدعوة إلى الله.
فالداعية لا بد أن يكون قدوة صالحة
يُقتدي بها، فلا يُعقل أن يدعو الناس للخير ولا يأتيه، بل عليه أن يقود الناس
بفعله قبل قوله، فليرى الناس منَّا أفعالاً لا أقوالاً، وليؤثر الدعاة في الناس
بحركتهم وأفعالهم بين الناس لا بخطبهم الرنانة والمواعظ المنمقة.
إن الدعاة هم حاملو مصابيح الهدى في
الليالي الحالكة، ولذا فعليهم أن يجلوا عن أنفسهم ما علق بها من أدران خلال العام
بالتزود بالخيرات والطاعات في هذا الشهر الفضيل؛ ليعينهم على الدعوة إلى الله على
بصيرة طوال العام قائدين للأمة بحق نحو استعادة مجدها وعزها وكرامتها.
فرمضان فرصة عظيمة لتحقيق تقوى الله
وتزكية النفس ففيه تصفد مردة الشياطين، فلا يصلون إلى ما كانوا يصلون إليه في غير
رمضان، وفيه تُفتح أبواب الجنان، وتُغلق أبواب النيران، ولله في كل ليلة من رمضان
عتقاء من النار، وفي رمضان ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فما أعظمها من
بشارة، فلنكن مسارعين إلى الخيرات، متنافسين في القربات، هاجرين للموبقات، تاركين
للشهوات.
ولنجعل أخي الداعية من رمضان نقطة
انطلاق وبدء نحو زيادة تقوى الله في نفوسنا وتربيتها تربية إيمانية كما يحب ربنا
ويرضى، ولنعطي للأمة أفضل درس في كيفية الاقتداء بالمصطفى قولاً وعملاً، وكيفية
إعطاء نماذج وضيئة يقتدي بها المجتمع كله.
- الوقفة الثانية: التفاعل
مع قضايا الأمة:
إن من أهم معاني ودروس وقيم رمضان التي
يغرسها في نفوسنا ويربينا عليها؛ الشعور بآلام وهموم الآخرين، وعدم المعيشة كلٌّ
في جزيرة منعزلاً عن الآخر، فرمضان يعلمنا الوحدة والترابط والتماسك والتآلف.
فكوننا نصوم في وقت واحد ونفطر في وقت
واحد ونلتزم بضوابط لازمة وحاكمة لصحة الصوم، ونتعهد بعضنا البعض لسد الاحتياجات
والإعانة على مشقات الصوم وتبعاته، وكذلك حرصنا على صلاة الفروض والنوافل جماعة؛
فكل ذلك وغيره من حكم الصيام التي تجعلنا نهتم بغيرنا لإعانته على العبادة
والطاعة.
هذا على المستوى الفردي، فما بالنا
بالمستوى الجماعي والعام للأمة كلها وما آلت إليه من هوان لا يخفى على أحد؟! فإذا
كان ذلك هو حال الأمة، فإن من أوجب واجبات الدعاة أن ينهضوا بما يفرضه عليهم دينهم
وعلمهم بأن يهتموا بقضايا الأمة وبكل شئونها، وأن يجعلوا من رمضان فرصةً حقيقيةً
لنشر هذه القضايا وزيادة الوعي بها وبحث كلِّ السبل الممكنة لعلاجها أو على الأقل
محاولة علاجها والإعذار إلى الله وتقديم جهد المقل بها.
فرمضان فرصة للتلاقي بين الدعاة والناس،
وفرصة لرقة القلوب وصلتها الوثيقة بالله ورقتها واستعدادها للتقبل، لذا فعلى
الدعاة اغتنام هذه الفرص وحسن توظيفها لتنبيه الناس وتفعليهم مع قضايا أمتهم
ومجتمعاتهم.
وفي مقدمة قضايا الأمة القضية
الفلسطينية- قضية العرب والمسلمين المحورية- والتي ينبغي علينا جميعًا دعاة
ومدعوين أن نبرزها ونبحث كيفية دعم أهالينا المحاصرين في الأرض المقدسة، وكيفية
تفعيل الناس فيها، فيقول الله عزَّ وجلَّ ﴿إِنَّ هَذِهِ
أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ (الأنبياء:
من الآية92)، وقال سبحانه ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ
إِخْوَةٌ﴾ (الحجرات: من الآية 10).
وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا
اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".
وعلى المستوى الداخلي نجد أن المرأة
المسلمة تحارب في حجابها، والشباب يفتنون بوسائل الهدم وإغراءات الشيطان وملذات
الهوى، وهو ما يتطلب من المسلم الصائم القائم أن يعايش هذه القضايا الكبرى بمشاعره
بماله وبدعائه وبتوعيته لإخوانه المسلمين، وبالعمل الجاد لجمع كلمة المسلمين؛
ليكونوا صفًّا واحدًا ولا يتنازعوا فيفشلوا.
إن الواجب على الدعاة هو ضرورة تبصير
الناس بقضايا الأمة وبيان ضرورة التفاعل معها والتأكيد على المعاني الشرعية
والإيمانية في أهمية هذه القضايا، وحث الناس على البذل والتضحية من أجل هذه
القضايا، والاستفادة من شهر رمضان وتضاعف الأجر فيه لزيادة العطاء وإعانة
المحتاجين والملهوفين من إخواننا المسلمين في شتى البقاع.
وكذلك التأكيد على ألا يحقّر المسلم
نفسه وعطاءه ففي كل مسلم خير، وأن نرسّخ مبدأ أن مساندة إخواني المسلمين ولو
بالقليل هو لنصرة الإسلام وإفراغ للوسع والجهد.
وضرورة التأكيد على مراعاة فقه
الأولويات، فإنه توفير للجهد والوقت، وألا ننفق الأموال على النوافل ونقدمها على
دعم المحتاجين في عالمنا الإسلامي؟
مع ملاحظة أن البذل والعطاء والتضحية لا
تقتصر على الماديات فقط، وبيان أن في الجوانب الروحية والإيمانية عطاءً وخيرًا
أيضًا لمن لا يملك العطاء المادي ومن يملك أيضًا، ومن ذلك كثرة الدعاء عند الفطر،
وفي أدبار الصلوات، وفي السحر وساعات القبول.
وضرورة التأكيد على أننا إذا نصرنا الله
في إخواننا فسينصرنا الله على أعدائنا، فلنعمل جادين في هذا الشهر الفضيل على أن
نحقق في ذوات نفوسنا قوله تعالى: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا
اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد: من الآية 7).
التركيز على الشباب
وكما يقول الإمام الشهيد حسن البنا في
رسالة إلى الشباب "ومن هنا كان الشباب قديمًا وحديثًا في كل أمة عماد نهضتها،
وفي كل نهضة سر قوتها، وفي كل فكرة حامل رايتها: ﴿إِنَّهُمْ
فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ (الكهف: من الآية
13)".
فبالتركيز على الشباب وتنشيطهم وإفهامهم
حقيقة قضايا الأمة وضرورة انشغالهم بها لا عنها، وضرورة أن يكونوا إيجابيين معها،
وإحياء الحمية في نفوسهم ببعض الأسئلة مثل: فماذا قدمت لأمتك ودينك ووطنك؟.
وضرورة بيان عظم الدور الذي ينتظرهم،
وضرب بعض الأمثال الإيجابية في الاهتمام بقضايا الأمة القديمة والحديثة.
والتركيز معهم على ضرورة تحديد الهدف
والتركيز عليه، وعدم الالتفات إلى الملهيات عن تحقيق الأهداف، ومعرفة أنه كلما
سَمَى الهدف سَمَى الجهد المبذول لتحقيقه، ومن هنا تبرز أهمية العمل الجاد والحثيث
لدين الله، وبيان أن العمل لدين الله ونشر الدعوة أنبل المهام وأسمى المطالب، وهو
وظيفة العمر كلها ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا
إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾
(فصلت)، وإن الدعوة ونشر الخير بين الناس ليس وقفًا على العلماء والدعاة وطلبة
العلم، فكل مسلم بانتمائه للإسلام عامل للدين، مهما كان خطؤه وتقصيره.
- استعن بالله ولا تعجز:
قال رسول الله: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص
على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا
وكذا؛ ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان" (رواه
مسلم).
-
الوقفة الثالثة: رمضان فرصة حقيقة للتغيير:
إن من نفحات الله المباركة علينا شهر
رمضان؛ الذي يُعد مدرسةً للتقربِ إلى الله، وتنقية النفوس، واغتنام هذه الهدية
الربانية التي تعد خير زاد للسائرين على طريق الدعوة إلى الله؛ عن أنس بن مالك
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "افعلوا
الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله؛ فإن لله نفحاتٍ من رحمته، يصيب بها من
يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم وأن يؤمن روعاتكم".
إننا بحاجة ماسَّة إلى أن نستثمر هذه
النفحات الربانية في هذا الشهر الفضيل لتوجيه أنفسنا نحو الأفضل وعلاج ما بها من
أسقام وعلل؛ فتزكو بروح الإيمان، وتسمو بفيض القرآن؛ وليكن رمضان محطة روحية تبعث
فينا روح الجدية، لنعد عدتنا، ونأخذ أهبتنا.
ومن الثابت أن باعث التغيير داخليٌّ في
الأساس، لذا فهو يكسب النفس ثقافةً وسلوكًا، يهيمن عليها وعلى سلوكها، ضابطًا
لتصرفاتها، حاكمًا لكل تصوراتها، ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ
زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)﴾ (الشمس)؛ وذلك لكون
المعركة الحقيقية إنما هي مع النفس قبل أن تكون مع الأعداء، وصدق ما عبَّر عنه
الإمام البنا بقوله: "ميدانكم الأول أنفسكم؛ فإن انتصرتم عليها كنتم على
غيرها أقدر، وإن أخفقتم في علاجها كنتم أمام غيرها أعجز".
ولقد يسَّر الله سبحانه وتعالى لنا سبل
تغيير النفس في رمضان؛ فأبواب الخير مفتحة، ونوافذ الشر موصدة "إذا جاء رمضان، فُتِّحت أبواب الجنَّة، وغلِّقَت أبوابُ
النار، وصفِّدَت الشياطين، ونادى منادٍ: يا باغِي الخير أقبل، ويا باغي الشر
أَقصِر" (رواه الخمسة إلا أبا داود)، فماذا بعد بفتح أبواب الجنان
وغلق أبواب النار وتصفيد الشياطين؟
ومن أهم شروط التغيير الرغبة الحقيقية
في التغيير، ومعرفة كيفية التغيير، وأن يكون التغيير عملاً لا قولاً، وإدراك أن
التغيير لا يأتي من الخارج بل يأتي من الداخل ﴿إِنَّ
اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
(الرعد: من الآية 11)، ثم العزيمة الصادقة على القيام بهذا التغيير. والتحلي
بإرادة صلبة، وعزيمة قوية، ولنكن مفعمين بالتفاؤل، ومجاهدين لأنفسنا، فرمضان فرصة
عظيمة لتربية ذواتنا، وبناء علاقات إيجابية مع الآخرين.
إن تغيير النفوس للأفضل ليس أمنيةً
مجردةً، بل هو حركة دءوبة على أرض الواقع، لتخلية النفس عن النقائص وتحليتها بكل ما
يطهِّرها ليُرَى أثره في أقوالنا وأخلاقنا ومعاملاتنا ومع أهلينا وجيراننا والناس
من حولنا.
والدعاة جزء من المجتمع يصيبهم ما قد
يصيبه من علل وأسقام. فقد تفتر همتك أخي الداعية وقد تضعف غيرتك على محرمات
الإسلام وقد تتوانى عزيمتك.. فيأتي رمضان ليشد من أزرك ويوقظك من رقادك وينبهك من
غفلتك.
فتتحرك بدعوتك، وتنشط بها، وتتفاعل مع
أحداث مجتمعك، وتبتكر من الوسائل والأساليب التي تعينك على تحقيق ما تريد وما تصبو
إليه؛ ولتتذكر أخي الحبيب سيرة حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكيف تتغلب على
الصعاب وواجهها لتحقيق ما يريد؛ نصرة لدين الله وليكن شعارك قوله صلى الله عليه
وسلم "لئن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من
حمر النعم" (رواه البخاري).
إن أولى خطوات التغيير الحقيقي في هذا
الشهر الكريم ينبغي أن ترتكز على الإخلاص التام لله والحياء منه وخشيته ومحاسبة
النفس؛ ليكون ذلك دافعًا لنا طوال حياتنا بعد ذلك بإذن الله، كما علينا أن نتوب
توبةً صادقةً نصوحًا؛ فإنها واجبة في كل وقت وحين، وهي في هذه الأيام الفضيلة
أوجب، ولنحرص على الإكثار من العبادة في هذا الشهر، وخاصةً قيام الليل والتهجد
وقراءة القرآن وتدبره ومعايشته وتطبيقه في ذات النفس وواقع الحياة، وذكر الله
واستغفاره والدعاء والابتهال إليه، ولنحذر من الملهيات من حولنا حتى لا يضيع
وقتنا، ولا ننسى الإكثار من التصدق والعطف على اليتامى والمساكين وإفطار الصائمين.
فلتتحرك أخي الحبيب وسط الناس وتخالطهم
ولتبين لهم حقيقة الإسلام وشموله وعظمته، واحذر أخي الحبيب من التكبر على الناس
بطاعة أو علم، فلتكن منهم وبينهم رفيقًا رحيمًا رءوفًا بهم مشفقًا عليهم.
فرمضان موسم التزاور والتقرب والاختلاط
المحمود بين الناس؛ فلنجعله كذلك وزيادة بتحويل العادات إلى عبادات، وجعل نيتنا
الدعوة إلى الله والتقرب إليه بتلك الزيارات، ووضع أهداف محددة لها وبذل الجهد
لتحقيقها.
وإذا كنت قليل الصبر سريع الغضب فرمضان
يعلمنا الصبر والأناة، فإذا كنت تصبر على الجوع والعطش والجهد والمشقة فقد آن لك
أن تصبر على الناس وتصرفاتهم وأخلاقهم، وما قد يفعلونه تجاهك من أخطاء، وليكن
شعـــارك دائما ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ
عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: من الآية
134).
ولتتذكر أخي الحبيب أنك تفعل ذلك عبادة
وطاعة وقربى لله سبحانه وتعالى، ولتصبر ولتحتسب، فأنت تغير من عاداتك التي ألفتها
وجبلت عليها ابتغاء مرضاة الله، ولتوطن نفسك على ذلك في رمضان، ولتجعله نقطة بدء
وانطلاق نحو تغيير نفسك للأفضل والأحسن؛ لتكون القدوة الصالحة في بيئتك ومجتمعك
وبين أهلك وأحبابك.
ولنحاول جاهدين أن نصبح من المتقين
المتأثرين بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾ (البقرة).
***********
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى
آله وصحبه أجمعين
والله أكبر ولله الحمد