معالم تربوية على درب النحناح

كما يعلم الجميع أن الشيخ محفوظ نحناح عليه رحمة الله بدأ نشاطه الإصلاحي كداعية ومربي حيث تدرج من منابر المساجد إلى مدارج السياسة والدبلوماسية

إلى أن أصبح علما ورمزا متميزا قلَّ من يماثله ويضاهيه، ومما تميز به في مسيرته الدعوية والسياسية قدرته على المزج والملائمة بين العمل الدعوي والعمل السياسي وهو الذي كان لا يؤمن بالفصل بين السياسة والدعوة أو السياسة والتربية برفضه ما أسماه باللائكية الحركية حيث كان يؤمن بأن رسالة الإسلام تتناول جميع شؤون الحياة ومظاهرها فلا فصل بين السياسة والتربية أو بين السياسة وحاجات الناس التربوية والاجتماعية، إلا أنه كان من الداعين إلى أخلقة السياسة، حيث كان يؤمن بأنه لا يستقيم أمر بدون خلق وتربية، وقد قال رحمه الله في محاضرة قدمها في إحدى ملتقيات التربية للحركة: "... إن الحركة التي جمعتنا؛ نخاعها الشوكي وعمودها الفقري هو التربية، قد تدخل الساحة من غير إعلام وقد تدخل الساحة من غير تخطيط وقد تدخل الساحة بغير مال وقد تدخل الساحة من غير بحث عن الوسائل الأخرى، لكن الساحة المحلية والإقليمية والدولية لا يمكن الدخول إليها إلا عبر عمل تربوي يمس كل جوانب حياة الإنسان الداخلية والله تعالى قال: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)...".
ورغم نشاطات الشيخ المتعددة والمتنوعة ورغم خوضه معترك السياسة والتعمق في دهاليزها، إلا أن التربية كانت ملازمة له في حله وترحاله، لقد كانت التربية نفَسه الذي يخرج من بين جنبيه ومتنفسه الذي يلجأ إليه، لقد كان أثناء سيره وفي كل مساره مهتديا بجملة من المعاني والأسس التربوية كانت تنير له الطريق، كان يؤمن بضرورة التربية حال المنحة وحال المحنة، وفي كل مرحلة من مراحل العمر الإنساني، وفي كل جولة من جولات العمل الإسلامي...

ومن هذه المعالم التربوية أذكر:
1ـ المرجعية:
لقد كان أثناء مسيرته الدعوية وفي كل مساره السياسي مهتديا بجملة من المعالم التربوية تشربها من فهمه للإسلام، واستقاها من سيرة خير الأنام محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وحاز عليها بحسن استيعابه لمنهج العمل الدعوي والجماعي.
فالتربية عند الشيخ رحمه الله ليست تربية محدثة أو مبتورة، إنما هي تربية مسنودة لها مرجعيتها العقدية والفكرية، تحتكم إلى منهج تربوي متميز ورجال دعوة وتربية لهم شارات وسمات، منهم استقى الشيخ وعنهم أخذ وانتقى دررا ونفائس تربوية، صوبت فكره وصقلت روحه، ثم اجتهد وأبدع بالإضافة إليها فكساها حللا جميلة ورصعها بدرر نفيسة أضفت عليها روعة وبهاء ووضعها شارات ومعالم أنارت طريق الداعين ودرب العاملين، فاهتدى بها الركب من بعده وجند الدعوة من ورائه.
2ـ الربانية:
كان رجلا ربانيا مرجعيته الفكرية والدعوية والسياسية شريعة الله عز وجل كتابا وسنة وفهمه السليم المتوازن للإسلام وقضاياه، مراعيا في عمله الدعوي واجتهاده السياسي ظروف الجماعة وحال الأمة وواقع البلد، فقد كان يوازن كثيرا بين هذه العناصر لكنه كان دائما يقدم مصلحة الإسلام والأمة والبلد على مصلحة الحركة، كان يتخذ المواقف ويتمسك بالآراء التي يراه أصوب وأرضى لله وأنفع للأمة وإن أغضبت الأتباع وعموم الناس، وهو الذي سخر نفس وحركته في خدمة الأمة وقضاياها... قال في رثائه الشيخ فيصل مولوي: "أيها الفقيد الحبيب يا فارساً ترجل وهو في ذروة العطاء، يا قائداً أخلى الساحة اليوم لكنه ترك وراءه نخباً من القيادات… يا رجلاً صدق ما عاهد الله عليه، وظل يجاهد بأعز ما عنده حتى توفاه الله لقد خالفناك في بعض اجتهاداتك السياسية، لكننا نشهد اليوم أمام الله وأمام الناس، أنك كنت مثالاً في الصدق والالتزام والعمل، تضع الإسلام في ميزانك قبل الحركة، وتعتبر مصالح الأمة قبل مصلحة الجماعة، بل وترفض التعارض في هذا المجال، وتصرّ على التكامل طبت حياً وميتاً، تغمدك الله بواسع رحمته".
وقال عنه الداعية د. توفيق الواعي: "الأستاذ محفوظ نحناح، رجل الفكرة والعقيدة ورجل المواقف الصعبة والأزمات الجسام، صاحب العقل الناضج والفكر النابه، والحجة البالغة، والذاكرة الوهاجة، والبصيرة النفاذة، والرؤية الصادقة، والعزيمة الخارقة، والشخصية الفذة، إذا جلست معه أحسست من أول وهلة أنك أمام قائد واسع المدارك عالي الأفق عميق المعرفة بحاله وزمانه ودعوته، وإذا حادثته تبين لك صدق لهجته وسعة حجته وعمق نظرته وحجم فراسته وعظم إخلاصه، وزخم حماسته".
3ـ الوضوح:
قد كان الشيخ رحمه الله يبدو غامضا في بعض أطروحاته وغريبا في بعض مواقفه إلا أنه كان شديد الوضوح في الغاية وهو الذي ربَّ أتباعه على الهتاف الخالد "الله غايتنا"، كما كان واضحا في أهدافه حيث كان شديد التمسك بأهداف الجماعة ومقاصدها في إصلاح المجتمع وأسلمته من إيجاد الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم...
وهو الذي كان واضحا في مواقفه من مختلف قضايا الأمة العربية والإسلامية وخاصة القضية الفلسطينية والتي كان يرى وجوب دعمها ونصرتها بكونها القضية المركزية والمحورية في الصراع الحضاري والعقدي مع الصهيونية العالمية ومناصريها، كما كان شديد التمسك بالثوابت الوطنية شديد الوضوح في المحافظة عن الدولة ومؤسساتها ورموزها وهو الذي رسم خطوط الفصل بينها وبين السلطة ورجالها وحكوماتها المتعاقبة حين رفع شعار: "نقول للمحسن أحسنت وللسيئ أسأت" بوضوح وصراحة ودون تملق.
وهو الذي كان كثير الكلام عن الأسرة والمرأة بصفة خاصة وهو الذي رفع مكانتها وزج بها في ميدان الدعوة والتربية ودهاليز السياسة وأوصلها إلى أعلى المراتب النيابية... ومن المؤكد أن وضوح الشيخ وصراحته وجرأته في العديد من القضايا والمواقف هي التي جلبت إليه بعض المتاعب وألبت عليه بعض الخصوم، وهو الذي قال عنه الداعية الكبير الشيخ محمد أحمد الراشد: "الأستاذ محفوظ نحناح رحمه الله: رسخ؛ يوم هبَّت العواصف، وفصُح؛ حين تلعثم المترددون، وجَسَر وأقدم؛ لما هاب الواجفون، وصرخ بالحق؛ حين تخافَتَ بها الهامسون، وفاصَلَ على بينة من الأمر يوم جنح الغَبَشُ بأهله نحو الحلول الضبابية ".
4ـ الشمول:
كان يعتبر التربية العمود الفقري للجماعة حيث بها تبنى الشخصية الإسلامية وتتميز، والتربية التي كان يؤمن بها ويعمل لترسيخها هي التربية الشاملة التي تحيط بمختلف الجوانب الإنسانية وتتناول الروح والعقل والجسم وتمس الجوانب الفكرية والثقافية، والسياسية، والاقتصادية والاجتماعية، وما إلى ذلك...
كان يفهم أن العملية التربوية عملية شاملة تمس جميع طبقات المجتمع وتعني جميع أفراده، ولقد كان الشيخ يجلس للجميع ويخاطب الكل ويعطي لكل حسب مستواه وعقله، لقد كان يجيد فن الحديث والحوار ويحسن إدارة الحلقات وتقديم الدروس كما كان خطيبا مفوها يشد الحاضرين بمختلف فئاتهم ومستوياتهم، لقد كان شخصية تربوية متميزة، كان يشد السامعين ويأسر قلوبهم بكلمة قوية جادة أو مصطلح غريب جديد هادف ومعبر من إبداعاته وبديهته أو نكتة خفيفة هادفة أو دعابة ذكية موجهة... ومن دعابته أنه كان يذكر أن له زوجتان: زوجته التي أنجب منها عشرة أولاد، والدعوة التي أنجبت الآلاف من المؤيدين والأتباع وما زالت تنجب...
5ـ التنوع في الوسائل:
الذي عُرف عن الشيخ أنه ما ترك من وسيلة من الوسائل التي تخدم الدعوة إلا وأستعملها، فالمعروف عنه أنه كان مدرسا وخطيبا في المسجد وكان مدرسا ومعلما في المدرسة والجامعة ومتكلما في مختلف المناسبات واللقاءات سواء كان فرحا أو مأتما أو لقاءا عابرا أو مبرمجا، وقد كتب وحاضر وخطب وشارك في المؤتمرات والملتقيات، وحواراته مشهودة على أعمدة الجرائد وصفحات المجلات والقنوات والإذاعات... فما من أداة أو وسيلة قدَّر أنها تخدم الدعوة وتحقق أهدافها إلا واستعملها وأجاد وأفاد من خلالها.
6ـ النشاط والحركة:
كان عليه رحمة الله كثير الحركة والتجوال والتنقل، فما ترك مدينة أو قرية من هذا القطر الفسيح إلا ودخلها وأسس فيها عملا وزرع فيها بذرة خير أو تعرف فيها على صاحب علم أو ربط علاقة مع شخصية أو ركيزة اجتماعية، كما كان كثير التنقل والترحال والأسفار إلى خارج البلاد ومختلف الأقطار إما ليحاضر أو يشارك في ملتقيات دولية أو إسلامية أو عربية.
لقد جاب القطر الجزائري طولا وعرضا خاصة في الثمانينات حيث ازدهرت الصحوة ورفعت الكثير من القيود عن العاملين في الحقل الإسلامي وفسح المجال لحرية الكلمة، فكان خطيبا جذابا وداعية متميزا، إلى أن عرف واشتهر وأصبح في أواخر الثمانينات رجل الدعوة الأول على المستوى الوطني دون منازع.
وكان له اهتمام خاص بالطلبة والشباب حيث كانت له نشاطات في المعاهد والجامعات: لقاءات ودروس وتدريس وحلقات علم وخطب جمعة منذ أواخر الستينات حيث كان من مؤسسي مسجد الطلبة بالجامعة المركزية بالجزائر العاصمة وكان من الذين درَّسوا وخطبوا فيه، وقد عاصرت الشيخ في الفترة بين 1973 و 1976 يوم أن كنت طالبا في جامعة الجزائر وحضرت للكثير من دروسه وخطبه واستمعت إليه في العديد من اللقاءات والحلقات هو وثلة من الأساتذة والدعاة في تلكم الفترة.
7ـ الثبات والصبر والتحمل:
(مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) لأحزاب23.
الشيخ محفوظ عليه رحمة الله وقدس روحه وثراه نحسبه من هؤلاء الرجال والرجال قليل ولا نزكي على الله أحدا فهو أعلم بمن اتقى، كيف لا وهو مؤسس دعوة وحركة، وباعث وعي وصحوة، كيف لا وهو رجل الدعوة المتميز، والمربي الفذ، والمناضل الصلب.
كان من المتحملين كثيرا لتكاليف الدعوة وأعباء العمل الإسلامي، حيث كان لا يهدأ له بال ولا يتوقف عن العمل والعطاء متحملا مخاطر بطش السلطة آن ذاك راكبا الصعاب ومتجشما أعباء السفر والتنقل، صابرا على المناوئين والخصوم والمثبطين...
شارك في بداية السبعينات في العديد من المظاهرات المطالبة بالتعريب، وكان سنة 1971 في مقدمة المسيرات التي طالبت بالمحافظة على الشخصية الإسلامية للأسرة الجزائرية ومواجهة كل دعاوى التغريب.
وكان من أبرز نضالاته، معارضته للنظام الاشتراكي آن ذاك، وقانون الثورة الزراعية لسنة 1971، والميثاق والدستور سنة 1976 ذوي التوجه الاشتراكي العلماني، تصدى الشيخ لكل ذلك بكل جرأة وشجاعة لتعارضها مع البعد العقدي والفكري وخصائص المجتمع الجزائري المسلم، ووزع بيانا باسم " الموحدين " تحت عنوان " إلى أين يا بومدين؟ "، طالب فيه بومدين بإلغاء الاشتراكية والعودة إلى أصالة المجتمع الجزائري وعلى رأسها الإسلام، ودعا إلى توسيع الحريات السياسية والاقتصادية...
غضبت السلطة الحاكمة، فاعتقلت الشيخ مع مجموعة من إخوانه، ولاقى من ويلات التعذيب والتنكيل ما لاقى، وحكم عليه بالسجن مدة 15 سنة، قضى منها 05 سنوات تنقل فيها بين سجون: بوفاريك، باتنة والشلف.
عرف الشيخ بتمسكه بالحق في الشدة والرخاء وحين الفتنة والبلاء، فقد ثبت على طريق الدعوة وتحمل ويلات التعذيب وغياهب السجون، وصبر وثبت من جهة أخرى على تبعات مواقفه الجريئة وآرائه الشجاعة حيث كان صداعا بالحق لا يخاف في الله لومة لائم، كما تحمل عنتا كبيرا ومشاق كثيرة ممن انتسب للدعوة ورفع شعار الدولة الإسلامية حين فتحت أجواء الحرية والتعددية السياسية وادلهمت الفتن ولاح بريق المغانم والمطامع الذي سقط فيه اليوم ـ وللأسف ـ الكثير ممن انتسب للدعوة، إلا أن الشيخ بقي ثابتا راسخا ثبات الجبال الشُم لا يعبأ بتهديد ولا يخيفه وعيد ولا يغريه مكسب عابر ولا مغنم زائل، فقد كان ماض في طريقه متمسكا بنهجه غير مبال بما يحدث له دون تبديل أو تغيير.
فمهما تغيرت الظروف والأحوال بين منشط ومكره فما عرف عن الشيخ إلا التحمل والصبر والثبات والاستمرارية والإصرار وطول النفس على طريق الدعوة والعمل الإسلامي، جزاه الله خير الجزاء وتغمده برحمته الواسعة.
8ـ الوسطية والاعتدال:
وهو رجل الوسطية والاعتدال حيث عرف بالتسهيل والتيسير والنضال بالطرق السلمية، وإدانة العنف والإرهاب، ومحاربة كل مظاهر الغلو والتطرف، وكرس مشواره الدعوي قرابة الثلث قرن من الزمن في الدفاع عن العقيدة الصحيحة وقيم الوسطية والاعتدال والتيسير، وكان يرى عندما اشتدت الأزمة في البلاد في بداية التسعينات أن خطأ السلطة الحاكمة لا يعالَج بخطأ حمل السلاح، وجز الرقاب، وثقافة التدمير والحقد، وبسبب ذلك دفعت حركته ضريبة غالية هي اغتيال حوالي 500 من قياداتها وأتباعها، على رأسهم الشيخ الشهيد الذبيح محمد بوسليماني عليه رحمة الله، ذهبوا شهداء ما من ذنب لهم إلا أنهم اختاروا نهج الوسطية والاعتدال وأعلنوا رفضهم للتطرف والاقتتال.
9ـ الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن:
فهو رجل الحوار والتلطف والمجادلة بالتي هي أحسن مجسدا قوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل125، وهو رجل العلاقات والانفتاح على الشخصيات والأنظمة والهيئات، حيث رفع مستوى الأداء السياسي وخالط الساسة والوزراء والدبلوماسيين والسفراء والملوك والرؤساء، وجاب مختلف البلدان والأوطان إلى أن أصبح رمزا ورجل سياسة معروفا على المستوى العالمي السياسي والفكري، وهو أول من دعا إلى المصالحة والحوار، وشارك في مختلف جولات الحوار وكان سباقا حين طلب من حملة السلاح الجلوس إلى طاولة الحوار، وهو الذي أغضب البعض حين صرح يومها وقال: "نتحاور حتى مع الشيطان"، فقد كان رحمه الله لا يخشى الحوار مع أيا كان، كيف يخشى من ذلك وهو صاحب حق ودعوة وذو فكر وفطنة ؟.
10ـ التسامح والصفح:
كان رحمه الله سليم الصدر يحب الناس لا يحقد ولا يحسد، وكان كثير التسامح والصفح والحلم على من ظلمه وأخطأ في حقه، كما كان عف اللسان يتجنب الخوض في شؤون الناس وأعراضهم، وكانت له قدره كبيرة في كظم الغيظ والصبر والاحتساب إلى الله عز وجل، وغير هذا من الأخلاق والصفات الحميدة التي كان يتميز بها الرجل، وهو الذي صرح في يوم ما عندما أوذي ولفقت حوله تهم وشبهات: "لقد تصدقت بعرضي في سبيل الله، سامح الله من أذاني"، وهو الذي كظم غيظه وصبر واحتسب عندما زورت نتائج الانتخابات الرئاسية لسنة 1995، وصبر وصفح عندما أقصي من الترشح للرياسيات سنة 1999، وقال حينها ـ وأعصاب الجميع متوترة تنتظر الإشارة لرد الفعل ـ: "أتنازل من أجل الجزائر"، فما أعظمه وما أحلمه رحمة الله عليه!!.
11ـ القدوة:
لقد كان قدوة في العمل والتضحية والصبر، وقدوة في حسن المعاملة والخلق... لقد كان مثالا ونموذجا للداعية النشيط المعطاء...
ومن الناحية التربوية والروحية كان رحمه الله ـ وهذا بشهادة كل من عرفه على قرب ـ مواظبا على ورده القرآني رغم كثرة الأعباء وتعدد الواجبات والمسؤوليات، حريصا على أداء الصلوات في أوقاتها مهما كانت الأحوال والظروف حين الملتقيات والندوات والزيارات واللقاءات يبادر ولا ينتظر؛ فيلتحق به الآخرون، وكان في مقر الحركة يؤذن أحيانا ويصلي بالحضور، وكان يغتنم الفرص لتقديم النصح والإرشاد، فهو بحق قدوة وأسوة في الدعوة والتربية والأخلاق الحسنة.
كما كان قدوة كقائد ملهم، يفيض بالرفق واللين وخفض الجناح والرحمة والتواضع مع أتباعه ومن حوله، كان كثير الامتصاص للغضب والامتعاض، كان شخصية محورية أخاذة وجذابة يعرف متى يبادر وينجز ومتى يكلف ويأمر، كان قدوة عملية يتعلم منه الأتباع والأصحاب ويحتكمون لأفعاله ويستمعون لأقوله عليه رحمة الله.
قال عنه الداعية الكبير الشيخ محمد أحمد الراشد: "استوى في النهاية منتصباً شامخاً ضِمن الرموز الكبرى التي نُباهي بها ونفخر ونجعلها عناوين للدعوة الإسلامية الحديثة والمعاصرة، التي بها نقتدي، وإلى أفعالها نحتكم، وبحبها نرجو أن نلقى الله".

(*) نائب سابق بشير بو صبيع صالح عن ولاية الوادي.


عضو المكتب الولائي لحركة الدعوة و التغيير

الوادي