الشيخ حامد العلي
"أنتم على مقربة من مكة.. فين رايحين بهذا التشدُّد وهذا التطرُّف؟!!". سفير الاتحاد السوفيتي السابق منبّهًا، ومهدّئًا، القيادات الاشتراكية اليمنية الجنوبية التي كانت مندفعة لتصدير ثورتها إلى السعودية، ودول الخليج، في سبعينيات القرن الماضي، بحسب لقاء برنامج زيارة خاصة بسالم صالح محمد، الذي أجرته الجزيرة 13 يناير 2004م.
إنَّ دوافع السبعينيات تختلف عن اليوم، غير أنَّ مخطَّطًا جديدًا يندفع إلى مكّة أيضًا!
(مجموعة من التجار الشيعة من الكويت، عقدوا سلسلة اجتماعات مع قيادات ما يسمى بالتجمع الديمقراطي الجنوبي (تاج) -تستضيفه بريطانيا وأمريكا مع قيادات أخرى تخطّط لتقسيم اليمن- في لندن، وديترويت، وليبيا، والبحرين وسوريا.. صبَّت في سياق مضامينها على ضرورة تحريك ملف ما يسمى (القضية الجنوبية وأبناء الجنوب). مجلة الشموع اليمنية بتاريخ 4/8/2007م.
وتنقل مصادر وزَّعت أشرطة مدمجة تحتوي على تصوير لمسلحين يحملون علم الجنوب اليمني أنَّ ثمة معسكرات سرية، يتم فيها إعداد تجمعات مسلحة، استعدادًا للقيام بثورة تؤدي إلى تقسيم اليمن!
أما السفير الأمريكي السابق (أدموند هول) فقال في إشارة فهمت على أنها ضوء أخضر للبدء في مخطط تقسيم اليمن في إحدى زيارته لحضرموت، وفي أثناء اجتماعية بأعيان حزبيين، واجتماعيين في المنطقة، بأنّ حضرموت تمتلك مقدرات دولة!
وفي بيان لحركة (تاج) بمناسبة الذكرى الأربعين لاستقلال الوطني للجنوب 30 نوفمبر 2007م الذي وجهه لأبناء الجنوب المحتل! أكَّد أن "الجنوب يقع تحت الاحتلال الكامل لنظام الجمهورية العربية اليمنية منذ 7 يوليو 1994م".
و"أن المهمة المباشرة التي تقف أمام أبناء الجنوب، تتمثل في العمل بكل أشكال وأساليب النضال السلمي؛ لتخليص وطننا من هذا الاحتلال، وتحرير شعبنا منه، واستعادة السيادة، وإقامة الدولة الحرة المستقلة على أرض الجنوب، وفقًا لوثائق الاستقلال الأول عن بريطانيا في 30 نوفمبر 1967م".
وأن (تاج) "تتعاطى مع أي مشاريع مقدمة من أي فصيل جنوبي، طالما حافظ على استقلال الجنوب وهويته".
و"أن المشاريع المطروحة حاليًا، أو في المستقبل، كالفيدرالية، وفيدرالية المحافظات، أو القبول بالحكم المحلي، في إطار الجمهورية اليمنية، هي تفريط بالوطن، وبحقوق شعبنا وحريته واستقلالنا، وجريمة لا تغتفر".
وأن "أي مفاوضات تتم مع نظام الاحتلال، لا بد أن تكون تحت إشراف دولي، وأن تضمن الحقوق الشرعية لشعبنا في الحرية والسيادة والاستقلال، وفقًا لمواثيق الأمم المتحدة والقانون الدولي". اهـ من البيان.
وفي فبراير 2008م أقيم مهرجان جماهيري بمديرية الحصين شرق مدينة الضالع، ورُفعت فيه أعلام دولة الجنوب، وفي مارس 2008م قام متظاهرون في الضالع بوضع عدد من البراميل في منطقة (سناح) -حدود الشطرين سابقًا- كناية عن نقاط التفتيش الحدودية، وحدث الشيء نفسه في مهرجان مشابه في منطقة كرش بمحافظة لحج، حيث قامت مجموعة من المشاركين بوضع براميل في منطقة (الشريجة)، تحمل المدلول ذاته.
وقف دائمًا وراء مشروع تقسيم اليمن، إضافة إلى الشيعة المدعومين من النظام الإيراني، الحزب الاشتراكي اليمني الذي كان يحكم اليمن الجنوبي، وما سالم البيض الذي أطلَّ برأسه اليوم يطالب بانفصال الجنوب، إلاَّ أحد الذين نجوْا من أحداث 13 يناير 1986م الدموية، وما أدراك ما هي!!
هي صراع داخلي في نفس اليمن الجنوبي، قُتل فيه الآلاف من قيادات وأتباع الحزب الاشتراكي اليمني صاحب التاريخ الإجرامي في تصفيات ومجازر مروِّعة، حتى قيل إنَّ عدد القتلى بلغ 12 ألف بمن فيهم المدنيون الأبرياء.
غير أنَّ هذا الحزب الاشتراكي اليمني الذي كان يسيطر على الجنوب، ترنَّح بعد سقوط الاتحاد السوفيتي بنهاية الثمانينيات، لا سيما وأحداث 1986م، كانت قد أضعفته جدًّا، ثمَّ وجد العالم كلَّه متجهًا إلى واشنطن، حيث المعسكر الغربي أصبح يتلقف كلَّ الساقطين من قبضة المعسكر الشرقي، فقرَّر الحزب أن يتَّخذ من اليمن الشمالي جسرًا يعبر عليه إلى المعسكر الغربي عن طريق دول الخليج أيضًا، ففعل، مع بقاء صدره مليئًا بالتعطش لماضيه الانفصالي، والإجرامي.
ثمَّ في 22 مايو 1990م قامت الوحدة، ولم تمض عليها 3 سنوات، حتى تعالت أصوات الانفصال، والعودة بالجنوب إلى قيادة الحزب الاشتراكي، وكان وراء تلك الأصوات، نعيقٌ منكر، يُبدي هذا الانفصال على أنَّه ضرورة للوقوف في وجه (أصولية إسلامية) تستشري في اليمن؛ بسبب تحالفها مع اليمن الشمالي.
ولهذا كان من ضمن ذرائع هذا الحزب، إضافة إلى المطالبة بعلمانية الدولة، وجود الجهاديين في اليمن الذين وصفوا منذ ذلك الوقت بالإرهابيين، والمتطرفين!
وبعد انتخابات 1993م، اكتسح المؤتمر الشعبي العام، والتجمُّع اليمني للإصلاح، الانتخابات، فزاد خوف الحزب الاشتراكي من قوة الإسلاميين.
ثم تدخلت باعتراف سالم صالح محمد -وفق المصدر السابق نفسه- دولٌ دولية، وإقليمية، تحرِّض على تقسيم اليمن، وانطلق سالم البيض في جولة إلى دول عربية وواشنطن، ثم عاد فقرر التصعيد! وأعلن مع قيادات أخرى مقاطعتهم العودة إلى صنعاء.
واندلعت المواجهات المسلحة منتصف عام 1994م، أعلن خلالها البيض انفصال الجنوب، وقيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ومجلس رئاسة، وحكومة مؤقتة، غير أنَّ القوات اليمنية اكتسحت كلَّ شيء في زحف عسكري نحو الجنوب، وسقطت عدن رغم تحذير الأمم المتحدة من دخولها فالمكلاّ، حتى أُجهز على مشروع الانفصال في يوليو 1994م.
والملاحظ أنَّ إيران في ذلك الوقت لم تستنكر الانفصال، واكتفت بالإعراب عن أسفها لما يحدث!
وكان الهاربون من الجنوب بعد الإجهاز على مشروع الانفصال عام 1994م، كما أسلفنا، قد فرُّوا إلى دول غربية وعربية، حتى تمّ الإعلان في بريطانيا عن التجمع الديمقراطي الجنوبي تاج، وفُسِّر الموقف السلبي الأوربي والأمريكي منه، على أنه موقف داعم لهذه الحركة الانفصالية؛ ولهذا أفصحت هذه الحركة عن مخطّطها بكلِّ وضوح، وهو: تحرير اليمن الجنوبي المحتل من الشمال!
ثم جاء دور الشيعة، يدعمهم النظام الإيراني في مخططه للتمدد إقليميًّا ودوليًّا، ولشيعة اليمن تاريخ حافل في التحالف مع الحزب الاشتراكي، الذي بدوره لم يزل يؤيِّد فتن الحوثيين في صعدة، فألقوا بثقلهم مع مشروع الانفصال لتقسيم اليمن؛ إذ كان أيّ إضعاف لوحدة اليمن، سيكون في صالح مشروع الثورة الشيعية فيه، ولأنَّ الانفصال سيقلل من نسبة التعداد السكاني للسنة، فيجد المخطط الشيعي متسعًا يحرِّك فيه فتنته.
ولا يخفى ما في صحيفتي (الأمة) و( البلاغ) الأسبوعيّتين الشيعيّتين في اليمن، من نشر لمذهب الرافضة، والثناء على الثورة الخمينية، وتمجيد زعاماتها، وأنَّ كثيرًا من الأقلام فيها، هم من الدارسين في حوزات قم، والصحيفتان -إضافة إلى منابر إعلامية أخرى- تتلقى دعمًا إيرانيًّا واسعًا.
ومعلوم أن المخطّط التوسعي الإيراني يتطلَّع إلى الوصول إلى مكَّة والحرمين من طريق اليمن، بعد تمدُّد شيعي يجد له مكانًا في تقسيم اليمن، ثم ينتقل إلى توسُّع أكبر ليشمل السيطرة على جنوب الجزيرة العربية كلّه؛ ليلتقي مع المخطط الشيعي شرق الجزيرة العربية على طول الساحل من شمال الكويت إلى البحرين، متعانقًا مع الهيمنة الشيعية على العراق، ومكمّلاً الهلال الشيعي عبر سوريا ولبنان.
ولهذا؛ فالإيرانيون اليوم هم الذين يحشُّون النار تحت فتنة تقسيم اليمن بكلِّ ما أوتوا من قوة.
كما أنَّه ليس بخافٍ أنَّ يمنًا موحَّدًا بكثافة سكانية كبيرة، وأرض شاسعة، وسواحل طويلة تمتد إلى 2400 كم، على بحر العرب، وخليج عدن، والبحر الأحمر، متنوّع الثروات، تتنامى فيه الحالة الإسلامية، وتزداد يومًا بعد يوم، وتتحكم بالحالة الاجتماعية فيه، أعرافٌ قبلية ذات نزعة محافظة، وداعمة لقضايا الأمة الإسلامية، وتنطلق منه مواقف مؤثرة إقليميًّا وعالميًّا مناهضة للمشروع الصهيوأمريكي.. إنَّه لا يمكن أن يُطمئن المشروع الغربي المخرّب في المنطقة، ولا الجهات الإقليمية الدائرة في فلكه؛ ولهذا التقى الهدف الصهيوأمريكي مع المخطط الصفوي في مؤامرة تقسيم اليمن، بالعمل على تحريك ملف اليمن الجنوبي.
ولا يخفى أنَّ المخططات الخارجية لا تحتاج إلى عناء لتجد في أيّ نظام عربي، وكلُّها مثقلة بالفساد والاستبداد والتخلّف، ذرائع شتّى لتمرير مخططات التقسيم، وقد وجدت في اليمن بُغيتها بسهولة.
بيد أن هذا لا يبيح أيّ نوع من المشاركة في دعم هذه المخططات الخارجية الخبيثة لمزيد من التجزئة للأمة، ومثل ذلك الاسترسال مع توظيف هذه المؤامرات لحركة إسلامية أو جهادية، لتُحرق في أطماع المؤامرات العالمية على العالم الإسلامي.
وقد ذكرنا فيما مضى أنَّ المخطط الصهيوأمريكي لا يبالي بالأنظمة الحاكمة التي هي معرضة للزوال حتَّى لو كانت موالية له، بقدر ما يحمل همَّ تفكيك الأمة الإسلامية، لا سيما في البلاد التي تنتشر فيها الحالة المناهضة للهيمنة الغربية، مثل باكستان، العراق، السودان، اليمن... إلخ؛ لإبقائها في متوالية التجزئة، والصراعات الداخلية.
ولهذا فالواجب على العلماء، والمفكّرين، والحركات الإسلامية الدعوية، والجهادية، أن يحولوا دون نجاح هذه المخططات التقسيميّة، بل أن يعملوا بضدها، فهو جزء أساس من مشروع توحيد الأمة الإسلامية، في إطار نهضتها الشاملة.
كما ذكرنا مرارًا أن أيَّ مشروع إسلامي لا يستهدي بالشريعة في حكمة التمرحل، وبالسيرة في تقديم الأوليات على ما سواها، وبخطاب التكامل مع الآخر المشارك بصدق في مشروع الأمَّة، سيكون من غير أن يشعر عرضة للتوظيف، وأداة سياسية بيد المخططات الكبيرة، ذلك أنَّ حظَّ العجلة، والغلو، وإقصاء الآخر من الفشل، هو أعظم الحظوظ، والتاريخ الماضي والواقع الحاضر شاهدان عدلان لا يكذبان. والله الموفق.