مكانة الكتاب لدى الطفل العربي
كتبت / شيماء مأمون
الكتاب هو الضيف الذي لا وجود له عند الطفل وبالتالي مصطلح قراءة غائب في حياة الطفل العربي، فعلاقة الطفل بالقراءة تعتمد على كيفية تعلّمه لأصول القراءة والمطالعة، وهل أنه تعلّم القراءة في ظروف صعبة أم سهلة. فإذا كانت الأسرة تريد أن توطّد العلاقة بين الطفل والكتاب، فعليها أن تخلق علاقة حب دائمة ومستمرة بين الطفل والقراءة.
فلم يعد الكتاب وسيلة معرفة وتثقيف بالنسبة لجيل اليوم، وإهمال القراءة وعدم المثابرة عليها ظاهرة تنذر بالخطر، فالصلة بين الكتاب وقارئه تعكس رقي التفكير وتحضر الشعوب، وانصراف الأبناء عن القراءة إلى أنواع من اللهو تبدد الوقت وتسطح العقل أمر خطير لابد من الالتفات إليه من خلال برامج عمل وسياسة دول لغرس قيم القراءة وأهميتها في حياة الشعوب رقياً أو انحداراً، فعلى حين لا يزال الكتاب في الغرب وأمريكا يمثل ركيزة انطلاق ووعي، فإنه لدى الأمة يقف على مفترق طرق في خصومة نفسية وصدود مستغرب في سلوك أمة كان أول توجيه لنبيها هو الأمر بالقراءة وعلى حين يصبح الكتاب مصدر ثراء مادي على مستوى الكاتب المؤلف وثراء فكري وعقلي لدى المتلقي في عالم الغرب إلا أنه في عالمنا دليل شح وفقر وهو ما يرسخ الاستخفاف بالكتاب محترفاً ومتلقياً.
وتشهد مجتمعاتنا العربية تراجعاً وانهياراً لقيمة الكتب لدينا وهذا واضح في استخدام بعض الدول العربية للمكتبات كوسيلة للخطاب السياسي أو الترويجي وهو الحادث في العراق منذ أكثر من أربعين عاماً وذلك نتيجة إهمال المطالعة واقتناء الكتب بشكل عام وبالتالي إهمال بما يمكن أن يقرأه الطفل.
ست دقائق
وقد وردت أرقام وإحصاءات تتحدث عن علاقة الطفل العربي بالكتاب وفق دراسات اليونسكو جاء فيها أن الوقت المخصص للقراءة الاطلاعية للطفل العربي (بدون احتساب أوقات القراءة المدرسية)لا يزيد عن ست دقائق في العام، أما حجم الكتب والمطبوعات الجديدة المخصصة للطفل, فهي لا تتجاوز 400 كتاب في العام، وهو رقم هزيل مقارنة بالكتب الجديدة المخصصة للطفل الأمريكي 13260 كتابا, والبريطاني 3838 كتابا, والفرنسي 2118 كتابا.
وتقول إحصائية منظمة التربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) إن متوسط قراءة الطفل في العالم العربي لا يتجاوز 6 دقائق في السنة خارج المنهج الدراسي رغم ما للقراءة والمطالعة خارج المنهج من أثر كبير على المستوى التعليمي للطالب، و يقرأ كل 20 عربياً كتاباً واحداً بينما يقرأ كل بريطاني 7 كتب أي ما يعادل ما يقرأه 140 عربياً ويقرأ كل أمريكي 11 كتاباً أي ما يعادل ما يقرأه 220 عربياَ يا للأسف. وفي المقابل يُعدّ معدل ما يقضيه الطفل العربي أمام التلفاز أعلى مما هو عليه الطفل الأمريكي والأوروبي.
الطفل العربي والكتب
ومقارنة بالطفل العربي فإن الطفل الأمريكي: نصيبه من الكتب في العام 13260كتاباً. والطفل الإنجليزي: نصيبه من الكتب في العام 3838 كتاباً. والطفل الفرنسي: نصيبه من الكتب في العام 2118 كتاباً. والطفل الإيطالي: نصيبه من الكتب في العام 1340 كتاباً، والطفل الروسي: نصيبه من الكتب في العام 1485 كتاباً في العام. أما الطفل العربي فلا نكاد نجد له رقماً ولو هزيلاً يمثل نصيبه في عالم الكتب فالمكتبة العربية شبه خالية من كتب الأطفال حيث بلغ عدد كتب الأطفال الصادرة في أحد الأعوام 322 كتاباً فقط، بالرغم من أن لدينا أكثر من 54 مليون طفل يمثلون 42% من العدد الكلي للسكان في العالم العربي.
وإجمالي ما تنتجه الدول العربية من الكتب يساوي 1.1 % من الإنتاج العالمي لا أكثر رغم أن نسبة سكان الوطن العربي إلى سكان العالم تقريبا 5 % حسب إحصائيات 2006 أما ما يطبع من الكتب بالغة الإنجليزية يساوي 60% من مطبوعات الكتب إجمالاً.
إشراقة أمل
ومن وسط الجانب المظلم التي تظهره الإحصاءات والأرقام على الوضع المتردي للكتاب في الوطن العربي يطل علينا نموذج مشرق لأم ربت أطفالها على حب الكتاب وهي الاستشارية الاجتماعية ماجدة شحاتة، فتسرد لنا قصتها قائلة "على المستوى الشخصي حاولت ربط الأبناء بالكتاب منذ الصغر من خلال ممارسة اللعب في مرحلة ما قبل الحضانة بالأوراق والأقلام لرسم صور وخطوط بلا معالم أو من خلال فتح المصحف لتأمل الكلمات التي نقوم بتحفيظها للصغير ثم ننتقل بعد ذلك إلى إحضار مجلات الأطفال التي نثق بجاذبيتها ومتعتها لهم.. وكانت التجربة الأكثر ثراء وتأثيراً هي تلك الرحلات التي نقوم بها في مرحلة مبكرة من حياة الأبناء وهي ليست للترفيه فقط كهدف يسعى إليه الأبناء بل أيضاً لترسيخ العلاقة بينهم وبين الكتاب وتزداد التجربة ثراء وعمقاً في نفوس الأبناء حين نشرك معنا أبناء العائلة كيلا يشعر أبنائي بأنهم يقومون وحدهم بنشاط لا يمارسه غيرهم.. هذه الرحلة تتجه إلى معرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث يستعد الجميع، بتحديد مبلغه الذي يكفيه لشراء ما يريد، كانت الرحلة في البداية تعتمد على إطلاق حركة الأولاد بحسب السن كل في مجالات اهتمامه ومع تقارب الأعمار صاروا ينطلقون جميعا يتشاورون في الكتب المختارة يحاولون التدبير حين لا يريدون تكرار كتاب ما فيشتركون جميعا في ثمنه ويكون للإعارة، التجول في المعرض واستعراض العناوين ومشاهدة حركة الناس بهذا التركيز وبتلك الكثافة يجعل المشهد بالنسبة لهم مهما ومألوفا.. يمر اليوم بين ترفيه وتسوق وربما حضور بعض الفاعليات الثقافية كل هذا يجعل الأبناء في ترقب دائم لهذا المعرض بمجرد دخول امتحانات نصف العام، هم صاروا يذكِّروننا بالموعد، يتخففون من استخدام الشبكة العنكبوتية كمصدر معلوماتي يدركون معي أن التصفح الالكتروني أسرع ذهابا ونسيانا من تأمل الكتاب واعتياد صورة الكلمة على الرسم الإملائي الصحيح، من هنا فإن ابتكار مثل هذه الأساليب يعيد صياغة الصلة بين الشعوب والكتاب على نحو يجعل الأخير كالماء والهواء أو يستوي مع غذاء الجسم في العناية به لتلقيح وتنقيح الفكر والعقل..
وكلما كان الأهل من المهتمين بالكتاب والقراءة كان الطفل كذلك. وكذلك فإن وجود مكتبة أو رفوف مخصّصة للكتب يشكل حافزاً على جعل الطفل يتطلع لأن يكون قارئاً جيداً، وعاملاً جيداً لنشوء علاقة صداقة حميمة بين الكتاب والطفل.
والهدف من القراءة أن نجعل الأطفال مفكرين باحثين مبتكرين يبحثون عن الحقائق والمعرفة بأنفسهم.