مشاعر رجل العقيدة على طريق الدعوة
الأستاذ : مصطفى مشهور
الدعوة الإسلامية تمر بفترة دقيقة وحساسة توجب على المسلمين أن ينهضوا من كبوتهم وأن يستيقظوا من غفوتهم كي يقيموا دولتهم وخلافتهم ويستردوا أرضهم وعلى رأسها فلسطين والمسجد الأقصى ولكي يؤدوا رسالتهم وهي هداية البشرية إلى هذا الدين الحق الذي ارتضاه الله للناس كافة وحتى قيام الساعة .
والفرد المسلم رجلا كان أو امرأة لكي يؤدى الدور المنوط به في تحقيق هذا الهدف العظيم يجب أن يهيمن عليه جو من المشاعر والأحاسيس التي تتناسب والمهمة التي يتصدى للقيام بها خاصة وأن الفرد هو العنصر الأساسي في كل المراحل التي توصل لإتمام هذا الهدف الإسلامي الكلى والذي توجبه طبيعة المرحلة التي تمر بها الأمة الإسلامية .
لذا نجد الإمام الشهيد حسن البنا يقتبس هذه المشاعر والأحاسيس من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ففي رسالة ( دعوتنا في طور جديد ) يقول : أن النبي صلى الله عليه وسلم قذف في قلوب صحابته بهذه المشاعر الثلاث فأشرقت وانطبعت عليها .
أ - قذف في قلوبهم أن ما جاء به هو الحق وما عداه الباطل وأن رسالته خير الرسالات ومنهجه أفضل المناهج وشريعته أكمل النظم التي تتحقق بها سعادة الناس أجمعين .
ب - وقذف في قلوبهم أنهم ماداموا كذلك مؤمنين بهذا الحق معتزين بانتسابهم إليه فأن الله معهم يعينهم ويرشدهم وينصرهم ويؤيدهم ويمدهم إذا تخلى عنهم الناس ويدافع عنهم إذا أعوزهم النصير وهو معهم أينما كانوا وإذا لم ينهض معهم جند الأرض تنزل عليهم المدد من السماء .
والآيات القرآنية الكثيرة تؤكد هذه المشاعر الثلاث وهي الإيمان بعظمة الرسالة والاعتزاز باعتناقها والأمل في تأييد الله إياها نذكر بعض هذه الآيات الكريمة { فتوكل على الله أنك على الحق المبين }
{ ثم جعلناك على شريعة من الأمر فأتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون }
{ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا }
{ وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج }
{ ولينصرن الله من ينصره أن الله لقوى عزيز } { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي }
{ ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض }
وعندما نتحدث عن مقومات جندي الدعوة الذي تتطلبه هذه المرحلة وتلك المهمة العظمى نقول أننا نحتاج إلى نوعية متميزة ذات خصائص معينة تتفق وما سيلقى على جندي الدعوة من مهام وما سيتعرض له من عنت وابتلاء فهو أحوج ما يكون إلى الإرادة الحازمة والعزيمة الماضية والخلق الإسلامي المتين والزاد الروحي الدفاق المتجدد والبدن السليم الذي يعينه على أداء الواجبات وأعباء الجهاد مع الحيوية والحماس المنضبط ولهذا نجد الإمام الشهيد في نفس الرسالة يقول ( نحن نريد نفوسا حية طموحة متطلعة متوثبة تتخيل مثلا عليا وأهدافا سامية لتسمو نحوها وتتطلع إليها ثم تصل إليها ولابد من أن تحدد هذه الأهداف والمثل ولابد من أن تحصر هذه العواطف والمشاعر ولابد من أن تركز حتى تصبح عقيدة لا تقبل جدلا ولا تحتمل شكا ولا ريبا وبغير هذا التحديد والتركيز يكون مثل هذه الصحوة مثل الشعاع التائه في البيداء لا ضوء له ولا حرارة ).
وحينما يوضح الإمام الشهيد طريق الدعوة لتحقيق أهداف الإسلام الذي استقاه من سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام نجده يقول : ( ولكن الوسيلة في تركيز كل دعوة وثباتها معروفة مقروءة لكل من له إلمام بتاريخ الجماعات وخلاصة ذلك جملتان : إيمان وعمل ومحبه وإخاء ماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تركيز دعوته في نفوس الرعيل الأول من أصحابه أكثر من أنه دعاهم إلى الإيمان والعمل ثم جمع قلوبهم على الحب والإخاء فاجتمعت قوة العقيدة إلى قوة الوحدة وصارت جماعتهم هي الجماعة النموذجية التي لابد أن تظهر كلمتها وتنتصر دعوتها وأن ناوأها أهل الأرض جميعا ).
وكما هو معلوم أن طريق الدعوة ليس مفروشا بالورد ولكنه ملئ بالأشواك والعقبات وفي الوقت نفسه طويل وشاق ويحتاج من سالكه إلى الصبر والمصابرة والثبات والجهاد والتضحية والإخلاص .
وقد نبهنا الإمام الشهيد إلى طبيعة طريق الدعوة وما سنلاقيه فيه من محن وابتلاءات كما ذكرنا بعوامل النجاح التي لا تثبت أمامها عقبة من العقبات ولا يقف في طريقها عائق فقال رضوان الله عليه في رسالة ( بين الأمس واليوم ).
( أحب أن أصارحكم أن دعوتكم لازالت مجهولة عند كثير من الناس ويوم يعرفونها ويدركون مراميها وأهدافها ستلقى منهم خصومة شديدة وعداوة قاسية وستجدون أمامكم كثيرا من المشقات وسيعترضكم كثير من العقبات وفي هذا الوقت وحده تكونون قد بدأتم تسلكون سبيل أصحاب الدعوات أما الآن فلازلتم مجهولين ولازلتم تمهدون للدعوة وتستعدون لما تتطلبه من كفاح وجهاد .
سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة في طريقكم وستجدون من أهل التدين والعلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام وينكر عليكم جهادكم في سبيله وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذووا الجاه والسلطان وستقف في وجهكم كل الحكومات على السواء وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم وأن تضع العراقيل في طريقكم .
وسيتذرع الغاصبون بكل طريق لمناهضتكم وإطفاء نور دعوتكم وسيستعينون في ذلك بالحكومات الضعيفة والأخلاق الضعيفة والأيدي الممتدة إليهم بالسؤال وإليكم بالإساءة والعدوان وسيثير الجميع حول دعوتكم غبار الشبهات وظل الاتهامات وسيحاولون أن يلصقوا بكم كل نقيصة وأن يظهروها للناس في أشبع صورة معتمدين على قوتهم وسلطانهم ومعتدين بأموالهم ونفوذهم { يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون } وستدخلون بذلك ولاشك في دور التجربة والامتحان فتسجنون وتعتقلون وتقتلون وتشردون وتصادر مصالحكم وتعطل أعمالكم وتفتش بيوتكم وقد يطول بكم الامتحان { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا وهم لا يفتنون } ولكن الله وعدكم من ذلك كله نصرة المجاهدين ومثوبة العاملين المحسنين .... فهل أنتم مصرون أن تكونوا أنصار الله .
هذا ما أوضح لنا به الإمام الشهيد ما سيعترضنا على طريق الدعوة قبل أن تحدث هذه الابتلاءات بسنوات وكأنما كان يرى بنور الله ولعله لم يكن يتصور أن يحدث تعذيب وقتل بالصورة التي تمت في عهد عبد الناصر وبالوسائل المستوردة التي قام بها زبانيته ومن تبعهم وزادوا عليها وحسبنا الله ونعم الوكيل .
ولكن الإمام الشهيد بعد ذكر العقبات ذكر عوامل النجاح وهي أننا ندعو بدعوة الله وهي أسمى الدعوات ونقدم للناس شريعة القرآن وهي أعدل الشرائع وأن العالم كله في حاجة إلى هذه الدعوة وكل ما فيه يمهد لها ويهيئ سبيلها وأننا بحمد الله برءاء من المطامع الشخصية ولا نقصد إلا وجه الله وخير الناس وأننا نترقب تأييد الله ونصرته ومن نصره الله فلا غالب له .
وهكذا وبعد ذكر هذه المقتطفات من أقوال الإمام الشهيد حول طريق الدعوة وعن المقومات والمشاعر التي يلزم أن تتوفر عند رجل الدعوة وجندي العقيدة ومن خلاصة التجارب التي استفدناها على الطريق بعد استشهاد الإمام الشهيد نقدم للأجيال ثمرات هذه التجارب بما يعينهم على إعداد أنفسهم سائلين الله تعالى أن نكون وإياهم أهلا لتنزل نصر الله علينا وتحقيق الهدف الذي أقام الإمام الشهيد جماعة الإخوان من أجل تحقيقه ألا وهو إقامة دولة الإسلام العالمية وعلى رأسها الخلافة الإسلامية أو بمعنى آخر التمكين لدين الله في الأرض