الرسالة الأسبوعية لفضيلة المرشد
متى يدرك الحكام
أن واجبهم خدمة الأمة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه .. وبعد،
فالحاكم في الإسلام له مكانته الرفيعة لما يقوم به من مهمة عظيمة في خدمة أمته، يقول صلى الله عليه وسلم: (إنما الإمام جُنة، يقاتل من ورائه، ويُتقى به) (متفق عليه)، وذلك بشرط أن يحقِّق العدل في شعبه ومسئوليته وأمانته، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأدناهم منِّي مجلسًا؛ إمام عادل، وأبغض الناس إلى الله يوم القيامة وأبعدهم مني مجلسًا؛ إمام جائر) (الترمذي).
فهل حكام الأمة في حاجة إلى نداء ليذكرهم بما أوجبه الإسلام عليهم من حسن إعداد للأمة، ورد الهجمات المتوالية عليها والتي لا تهدأ؟ هل حكام الأمة في حاجة إلى تذكير لهم بأن بلدان أمتنا تقع بين الاحتلال أو الهيمنة، في عبث فاضح من المشروع الأمريكي الصهيوني، واستهتاره بنا على شتى الاتجاهات؟ هل حكام الأمة في حاجة إلى من يساعدهم على إدراك أن نصرة المسجد الأقصى وحماية المقدسات الإسلامية واجبة عليهم قبل فوات الأوان؟
يقول الحاكم العادل عمر بن الخطاب في رسالته لحكام الأمة: "أما بعد، فإن أسعد الولاة من سعدت به رعيته، وإن أشقى الولاة من شقيت به رعيته"، وبهذا الميزان يُقاس الحكام، وتوزن الشعوب، وتُفهم الأمم، فاليوم قد أدركت شعوب الأمة بأن تقاعس حكامها أصبح مرضًا مزمنًا، بعد أن رأت النكبات على يد حكَّامها بعقد مؤتمرات وندوات وقمم، لا تسفر إلا عن الشجب والتنديد والاستنكار.
وهذا ما جعل أعداء الأمة لا يخشون عقابًا على جرائمهم، ولا يبالون بأحد حتى ولو أعلنت الشعوب أنها سئمت من هذه الأساليب الاستسلامية الانهزامية، التي يمارسها الحكام في مواجهة الهيمنة أو الاحتلال أو الحصار، أو حتى في إيقاف الغطرسة وتدنيس المقدسات؛ فمتى يفيق الحكام لأداء دورهم؟ ومتى يدركون أن المواجهة الحقيقية تتطلب منهم: التكاتف والاتحاد، وترك الخلاف الذي مزَّق قوتهم، مع أن نداء الله واضح في قوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ (آل عمران: من الآية 103).
إن حكام المليار ونصف المليار في استطاعتهم أن يواجهوا بضعة ملايين من صهاينة يعبثون بمقدساتنا، كما في استطاعتهم أن يحقِّقوا النصر المنشود، خاصة وفي أيديهم خزائن بلداننا التي يتحكمون في إدارة دفتها.
وإن حكام "هذه الشعوب الأبية" التي وقفت ولا تزال إلى جانب الحق، فهبَّت ضد الاحتلال، ورفضت الهيمنة؛ في استطاعتهم التصدي لإيقاف الصهاينة عند حدِّهم، متدرعين بشعوبهم.
وإن حكام "هذه الأمة التي كتب الله لها العزة" باستطاعتهم إنقاذ المسلمات الأسيرات في سجون الصهاينة، اللاتي يصرخن ويستغثن وينادين برفع الذلِّ والإهانة عنهن.
فيا حكام أمتنا ..
رحم الله الحسن البصري وهو يصف الحاكم العادل كما أراده الله تعالى، فيقول: "إن الله جعل الإمام العادل قوام كلِّ مائل، وقصد كلِّ جائر، وصلاح كلِّ فاسد، وقوة كل ضعيف، ونصفة كلِّ مظلوم، ومفزع كلِّ ملهوف، وهو القائم بين الله وعباده، يسمع كلام الله ويسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم، وينقاد إلى الله ويقودهم، وهو الذي لا يحكم في عباده بحكم الجاهلية، ولا يسلك بهم سبيل الظالمين، ولا يسلط المستكبرين على المستضعفين" (العقد الفريد).
فيا حكام المسلمين ..
إن الإسلام الذي تُنتسبون إليه، يناديكم بأن حال الأمة لا يستقيم إلا بالجهاد، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ﴾ (التوبة: من الآية 38)، فنهضتنا ورفعتنا ومجدنا مرهونٌ بهذه الاستقامة، التي لن تتحقق إلا بالمقاومة، وتأييدها بكلِّ ما تملكون من المال والسلاح والإعلام والنفس والنفيس.
واعلموا أن الشعوب ترقب فيكم الخير، فلا تخيبوا آمالها، فأنتم في أعظم مواقف التجارة مع الله، لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (الصف: 10-11).
انظروا إلى حكام أمتنا الذين سطَّروا حروفًا من نور في تاريخها، فطردوا الذُّل والاستهانة، على يد القائد صلاح الدين الأيوبي، بعد أن عاث الصليبيون بأمتنا فسادًا، لأكثر من تسعين عامًا، وطردوا التتار على يد القائد سيف الدين قطز، بعد مرور أربعة أعوام أهلكوا فيها الأخضر واليابس.
وفي تاريخنا القريب آية الله في نصر العاشر من رمضان، شاهدًا على أن النصر محققٌ إذا أخذنا بكافة أسبابه، ومؤكدًا أن استمرار النَّصر إنما يكون بالمحافظة على هذه الأسباب، وهي متوفرة في أمتنا، فلماذا التهاون؟ ولِمَ نقبل بالتراجع؟ أمام عدو صفته الأساسية الفرار بين أيدي المؤمنين، لقوله تعالى: ﴿لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ﴾ (الحشر: 14).
فمن واجباتكم يا حكام الأمة اليوم:
وقف المفاوضات العبثية المباشرة أو غير المباشرة، ودعم جميع أشكال المقاومة لتحرير كلِّ شبر محتل في فلسطين والعراق وأفغانستان، وفي كافة أرجاء عالمنا الإسلامي.
مرجعيتكم كما اتفق العلماء من الكتاب والسنة، وليس من قرارات الأمم المتحدة أو إملاءات الصهاينة والأمريكان، وتحقيق ذلك يتم بإعلانكم أن قضية فلسطين وقضايا البلدان الإسلامية المحتلة هي جوهر قضيتكم.
دعم شعوبكم الحرَّة بهيئاتها ومؤسساتها في مطالبها المتكررة من: المقاطعة، ووقف التطبيع، ودعم المقاومة والمقاومين، والسماح لهذه الشعوب بالتعبير السلمي في إنقاذ وإغاثة الأقصى، والغيرة على مقدساتنا، وليس بالتمادي في اعتقال الشرفاء بتهمة "نُصرة الأقصى"، وإطلاق السراح الفوري لكلِّ الذين هبُّوا لإعلان غضبتهم من كلِّ المهن والطلاب والعمال والبسطاء الذين اعتقلوا مؤخرًا، أم أن الأمر كما جاء على لسان أحد حكام العرب: "جيوشنا مجهزة لقمع شعوبنا"، وتأملوا ما كتبه الخليفة علي بن أبي طالب لحاكم مصر: "فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح، وأشعر قلبك بالرحمة للرعية واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعًا ضاريًا تغتنم أكلهم".
إلغاء كافة معاهدات الاستسلام، فإن باعتداءات الصهاينة المتكررة، وبجرائمهم المستمرة على القدس؛ نقضٌ للمعاهدات، واعتداءٌ على سيادة بلداننا وأمتنا معًا؛ خاصة معاهدة "كامب ديفيد" التي أطلق عليها وزير خارجية مصر آنذاك: "مذبحة التنازلات"، وقدَّم استقالته، وقد كشف القانونيون عن أن اتفاقية "كامب ديفيد" الموقعة في 26 مارس من عام 1979م تمثل مخالفةً للدستور المصري، وانتهاكًا لقرارات الأمم المتحدة، ومن ثم لا يحق للمسئولين المصريين التمسك والالتزام بها، كما كشفوا النقاب عن أن الاتفاقية تخالف اتفاقية "فيينا" المتعلقة بالمعاهدات الدولية في مادتها رقم 35 التي تؤكد: "كل معاهدة تعد باطلة إذا خالفت قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي، وقد خالفت كامب ديفيد في جميع نصوص وثائقها قواعد القانون الدولي الآمرة"، في حين يرى بعض الخبراء: كون هذه الاتفاقية لا مدى زمني لها يعد مخالفة صريحة؛ لأن كلَّ اتفاقية تراجع أو تنتهي من تلقاء نفسها بعد مرور 30 عامًا.
فيا حكام أمتنا ..
كيف تحكمون الأمة وأرضها منتهكة؟
وكيف تصادقون عدوًا وهو يدنِّس المقدسات؟
هل تغيَّر نتنياهو الذي أعلن في غطرسة عن ضمِّ الحرم الإبراهيمي للتراث اليهودي، ويسعى حثيثًا لهدم الأقصى، ويدنس الأرض المباركة بكنيس الخراب - الذي هو تتويج لأكثر من 61 كنيسًا يهوديًّا - ويمنع المصلين من دخول الأقصى، ويقتل الفلسطينيين بالرصاص الحي؟ ويُعلن مؤخرًا: أن البناء في القدس مثل البناء في تل أبيب؛ لأن القدس عاصمة "إسرائيل".
وهل تغيَّر أوباما الذي لم تمنعه كلماته المعسولة - في عواصمنا - من إرسال المزيد من جنوده في أفغانستان، بل ويباركها بزيارة أخيرة لتكريس الاحتلال، ويمد العدو الصهيوني بكلِّ الدعم المادي والمعنوي، ويتمادى في غيِّه مؤيدًا ومساندًا للاستبداد والفساد في عالمنا العربي والإسلامي؟
وأخيرًا ..
هذا تحذير ودعاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل حاكم ينأى عن العدل والحق، ويتخذ الظلم والجور مسلكًا الذين نراهم يخالفون أوامر الله ورسوله أشدَّاء على المؤمنين ومجاهديهم رحماء بالعدو الصهيوني وجواسيسهم، ونص الدعاء النبوي الشريف (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فشقَّ عليهم فاشقق عليه)، وهذه دعوة مستجابة لا محالة بإذن الله.
فلماذا الانبطاح أمام الهيمنة الصهيونية والجبروت الأمريكي باسم المصالح؟ ولماذا الانفصال الحاد بينكم وبين شعوبكم وبين مصلحة بلادكم؛ ما بات يهدِّد الأمن القومي لأوطانكم ويفقدنا السيادة؟ ولماذا لا تحتضنون المقاومة ضدَّ الاحتلال، فهي لم تكن يومًا ضدَّكم أو ضدَّ حكوماتكم؟ ولماذا لا تتوحدون أمام العدو الصهيوني، وتعلنون في قوة: لا للاستمرار في الاستسلام باسم المفاوضات؟ ولماذا لا تشجعون شعوبكم ولجان الإغاثة - الداعمة للمقاومة - في الاستمرار بالقيام بدورها؟ اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.