هناك سؤال يبدو محرجًا يوجهه الغربيون والمتغربون إلى الإسلاميين، وفيه
يقولون: سلمنا أن سبب الفتوحات الإسلامية هو إزالة إمبراطوريات الاستعمار والقهر
الحضاري -الرومانية والفارسية- التي استعمرت الشرق وقهرته دينيًّا وحضاريًّا، وهو
إزالة إمبراطوريات الاستعمار والقهر الحضاري الرومانية والفارسية لكن.. ما سبب فتح
المسلمين للأندلس في شبه الجزيرة الأيبيرية ولم تكن جزرًا من الشرق.. ولم يكن فيها
رومان مستعمرون؟!
وللإجابة
على هذا السؤال الذي يبدو منطقيًّا ومحرجًا.. ولتفسير الأسباب المنطقية والتاريخية
التي وقعت وراء الفتح الإسلامي للأندلس.. لا بد من فهم الصراع الديني في صفوف
النصرانية في القرون التي سبقت ظهور الإسلام؛ فمنذ القرن الرابع قبل الميلاد احتدم
الصراع بين أنصار عقيدة التثليث والصلب وتأليه المسيح وهي مسيحية بولس التي تبنتها
الدولة الرومانية ومجامعها الدينية، وبين النصرانية الموحدة التي تزعمها وأصبح
عنوانًا عليها الأسقف السكندري آريوس (256- 376م) والتي تقول: إن الله جوهر أزلي
أحد، لم يلد ولم يولد، فكل ما سواه مخلوق، حتى الكلمة، هو كغيره من الكائنات مخلوق
من لا شيء، وليس من جوهر الله في شيء، فليس إذن "هو الله، ولا من جوهر الله".
ومع
الانتشار الواسع الذي حققته الآريوسية في الشرق.. ورغم الاضطهاد الذي لاقته من
المثلثة الرومان -الملكانيين ومن المثلثة الشرقيين اليعاقبة بزعامة "إثناسيوس"
(295- 373م)- فلقد امتد انتشار النصرانية الموحدة الآريوسية إلى أوربا.
ففي
سنة 341م اختار الملك "أوزيت دي نيكوميدي" المبشر القوطي - الإسباني
"فولفيلا" ليكون مطرانًا للنصرانية الآريوسية، ثم دخلت هذه النصرانية الآريوسية
الموحدة إلى "إلبري" على نهر الدانوب، وكذلك اعتنقتها أغلبية الشعوب
الجرمانية.
وفي
شبه الجزيرة الأيبيرية -إسبانيا والبرتغال- انتصر الملك "أوريك" سنة 476م
وقطع علاقاته بالإمبراطورية البيزنطية، فانتشرت الآريوسية في شبه الجزيرة الأيبيرية،
وتدينت بها جماهيرها.
وعندما
ارتد الملك "ريكاريد" (586- 601م) سنة 587م عن الآريوسية ثار الآريوسيون
ضده وضد المسيحية المثلثة، واستمرت هذه الثورة في إكاتولونيا ونارجونيز على امتداد
قرن من الزمان.
وعقب
إحدى المجاعات قام المسيحيون المثلثة تنصيب الملك "روديك" ملكًا على شبه
الجزيرة الأيبيرية، وعندما غزا "رودريك" الأندلس -الجنوب- اصطدم
بالمطران "أوباس" مطران إشبيلية، فثار شعب الأندلس الآريوسي ضد الملك
المثلث "رودريك".
وإوإبان هذه الثورة الأندلسية الآريوسية،
طلب السكان الموحدون المساعدة من الآريوسيين المتحدين معهم في العقيدة النصرانية،
وطلبوها كذلك من البربر مسلمي الريف المغربي على الضفة الجنوبية من البحر المتوسط،
وهنا هبَّ المسلمون بقيادة طارق بن زياد سنة 711م لنجدة النصارى الموحدين بالأندلس،
وأثناء معركة "غوادليت" -قرب قادس- انضم مطران إشبيلية "أوباس"
إلى الجيش المسلم، وكذلك فعل أسقف توليدون "سانديريد".
وبهزيمة
الملك المثلث رودريك ثبَّت المسلمون أركان الحرية الدينية في الأندلس، وتركوا
الناس وما يدينون، فعاشت النصرانية الموحدة مع التوحيد الإسلامي في ظلال الحضارة
الإسلامية الأندلسية نحوًا من ثمانية قرون.
ثم
جاءت نهاية هذه الحضارة على يد الكاثوليكية المثلثة بقيادة "فرديناند وإيزابيلا"
عندما أسقطت غرناطة سنة 1429م، فسحق التوحيد -الإسلامي النصراني، واليهودي وكذلك- في
تلك البلاد، التي استدعى أهلها المسلمين الموحِّدين لنصرتهم على أهل التثليث!!
د. محمد
عمارة
المصدر:
موقع جريدة المدينة
أبو سمية .