الله يخرب بيوتهم!
د. ممدوح المنير
بقلم: د. ممدوح المنير
افتتح
اليهود يوم الإثنين 15/3 ما يُعرف لديهم بكنيس (الخراب)، وهو الكنيس الذي
يعتبر اليهود إعادة بنائه- وفق تصوراتهم- مؤشرًا على قرب بناء هيكلهم
المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى.
وبحسب
الأساطير اليهودية التي يؤمنون بها، فإن بناء كنيس الخراب يقربهم مما
يسمونه بخلاص اليهود؛ حيث تتحدث هذه الجماعات الصهيونية عن "نبوءة" مفادها
أن حاخامًا "إسرائيليًّا" عاش في العام 1750م، كتب يومها متنبئًا- كما
يزعمون- بأن يوم البدء في بناء الهيكل الثالث المزعوم هو اليوم الذي يلي
إعادة افتتاح كنيس الخراب.
لكن الملاحظ أن ما حدث يأتي في ظل جملة من الأحداث المتتالية والتي كانت السبب في هذا التبجح الإسرائيلي المتصاعد، منها:
أولاً:
الدعم الأمريكي والأوروبي غير المحدود للحكومة الصهيونية؛ حتى عندما يوجد
حدث يستدعي الإدانة، لا تجد منهما إلا التعبير عن (الانزعاج، القلق،
الضيق)، وغيرها من المرادفات التي هي للاستهلاك المحلي، والعالمي ليس إلا،
بل إن مضمونها يغري بالمزيد من الممارسات الصهيونية على الأرض.
ثانيًا:
الانبطاح العربي الواضح، والذي ظهر عقب قرار اللجنة الوزارية العربية،
والذي وافقوا فيه على دخول السلطة الفلسطينية في مفاوضات غير مباشرة مع
العدو الإسرائيلي؛ ما اعتبر ضوءًا أخضر للكيان الصهيوني، لزيادة حجم
الإجرام المرتكب في حق القضية الفلسطينية.
ثالثًا:
يأتي افتتاح كنيس الخراب بعد ضم إسرائيل الحرم الإبراهيمي لهيئة الآثار
الصهيونية، وفي هذا أبلغ دلالةً على أن ما يحدث من الجماعات الصهيونية
المتطرفة هو بالتنسيق مع الحكومة الصهيونية، وبإيعاذ منها، كما أن توقيت
ضمِّ الحرم الإبراهيمي قبيل افتتاح الكنيس اليهودي يوضح مدى الخبث،
والدهاء الشيطاني لليهود، فهم أرادوا شغلنا عن الحرم الإبراهيمي بحيث ننسى
ما حدث معه، ويتركز اهتمامنا بما يحدث للمسجد الأقصى نظرًا لعظم شأنه عند
المسلمين.
رابعًا:
من دهاء اليهود ما يتم الآن في باحات المسجد الأقصى من اعتداءات متتالية،
ولكنها محسوبة بدقة، بحيث يكون هدفها هو خلق حالة من (التعود) لدى المواطن
العربي والمسلم، بحيث يعتاد هذه الاعتداءات مع مرور الوقت، ومن ثم يفقد
اهتمامه بها.
هذا
ما تراهن عليه "إسرائيل" في المرحلة القادمة من خلق حالة اعتيادية في
التعامل مع القدس، والمسجد الأقصى، بحيث يتبعه فقد اهتمام من قبل المسلمين
لنفاجأ ذات صباح على خبر هدم المسجد الأقصى، هذا ما يسعى الصهاينة إليه،
وقد استخدمت هذه الإستراتيجية- التعود- بنجاح بارع في عدة أقطار إسلامية
للأسف الشديد، فما يحدث في العراق، وأفغانستان من مذابح يومية أصبحت هي
الأخرى (اعتيادية) لا تحرك ساكنًا لدى أحد، وتستثير نخوة إنسان حر.
خامسًا:
من الملاحظ أيضًا أن ما حدث لم يستفز أحدًا من الشعوب العربية، اللهم إلا
الحركات الإسلامية، وتحديدًا جماعة الإخوان المسلمين التي خرجت في تظاهرات
في عدة دول عربية للتنديد بما يحدث، ونتج عن ذلك اعتقال المئات من كوادر،
وقيادات الجماعة غالبيتهم من مصر، والباقي من الأردن، وهذا بدوره يطرح
تساؤلاً غاية في الخطورة، أين البقية الكاسحة من شعوب الأمة من هذا الحدث
الجلل الذي يستدعي أقصى درجات الاستنفار؟!.
أدرك
أن شعوبنا العربية والإسلامية تعاني أيما معاناة من الظلم، والطغيان،
والاستبداد الجاثم على الصدور، والذي يمنعهم في كثير من الأحيان من حق
التظاهر السلمي، لكن من قال أيضًا إن الحقوق تسترد بلا تضحيات، وبذل
الغالي والنفيس في سبيله، (فلن يكون لدينا ما نحيا من أجله.. إن لم نكن
على استعداد أن نموت من أجله) كما يقول "سيد قطب".
سادسًا: عندما قرأت هذه التسمية كنيس (الخراب) تذكرت قوله تعالى: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ (2)﴾ (الحشر)،
رغم أنها في فلسطين ليست بيوتهم، لكنها بشرى أن ما يفعلونه الآن في
فلسطين، والقدس سوف يكون خرابًا عليهم بإذن الله، الله يخرب بيوتهم.