أيتها الأسرة.. خطواتك لمناصرة الأقصى
فلسطينيات يرابطن في ساحة الأقصى دفاعًا عنه
- واجب الآباء توضيح فضل وأهمية المسجد الأقصى
- تاريخ المسلمين كفيل بزيادة الانتماء عند الأطفال
- مناهج التعليم زيَّفت وعي الأبناء والاعتماد عليها كارثة
تحقيق- تسنيم محمد:
منذ
الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية والمسلمون يحذرون من المخاطر التي
تواجه المسجد الأقصى، ومن الحفريات والهدم والإبادة وعبث اليهود بالمقدسات
الإسلامية والعربية، ولكن لا مستمع ولا مجيب لصدى أصواتهم وندائهم وصراخ
أطفالهم وعويل نسائهم؛ مما جعل الوضع يُنذر بكارثة فهل نظل مكتوفي الأيدي
حتى تضيع القدس وينهار المسجد الأقصى ووقتها لن ينفع الندم ولن يجدي
البكاء على اللبن المسكوب، وكيف يمكن أن تتضافر جهودنا لكي تستيقظ الشعوب
حكامًا ومحكومين من ثباتهم، وما الذي يجب على كل فرد فعله من أجل نصرة
المسجد الأقصى، وهل هناك دور على الأسرة في ذلك باعتبارها نواة المجتمع بل
والأمة، هذا ما نتناوله في هذا التحقيق:
في
البداية تقول منى عبد الله (ربة منزل) إنها علَّقت بجوار باب الخروج
والدخول للمنزل صورة كاركاترية للمسجد الأقصى وهو باكٍ خلف أسوار اليهود
وأمام المسجد الأقصى طريق طويل.. ووضعت كلمات مَن لها؟، مَن صلاح الدين
القادم؟، هذا هو الطريق فمَن يسبق؟.
وتضيف
قائلةً: "بهذه الصورة أجعل أولادي قبل الذهاب للمدرسة وبعد العودة منها
ينظرون إليها ذهابًا وإيابًا حتى تظل القضية عالقةً في أذهانهم، مشيرةً
إلى أنها بدأت تؤتي بعضًا من ثمارها؛ حيث إنهم يظلون يتنافسون فيما بينهم،
قائلين أنا صلاح الدين القادم والآخر يقول له: لا أنا الذي سأكون، وأنهت
منى حديثها قائلةً: "أنا على أمل أن يظلوا بهذه الروح إلى أن يشبوا
ويحرروها بالفعل".
دفع الأطفال
ويقول
عدلي وياسمين لديهما طفلتان لم تدخلا المدرسة بعد، إنهما قاما بتهيئة
المنزل كله لنصرة المسجد الأقصى، ولتعيش أنفسهما وأطفالهما في القضية طوال
الوقت وليس لحظات صوريه ثم تتلاشى بعد ذلك.
وأوضحا
أنهما قاما بوضع سجاد الغرف على هيئة علم الكيان الصهيوني، ويظلا طوال
الوقت يدهسون عليه بأقدامهما، ويضعان عليها أحذيتهما، ويزرعا في أطفالهما
بذلك أن الصهاينة أعداؤنا، وأننا لا نحبهم ونبغضهم ويجب أن نحاربهم، فضلاً
عن أن وقت اللعب يقوما بالإمساك بالعرائس، ويقوما بعمل فريقين فريق صهيوني
وفريق المسلمين، ودائمًا ما يجعلا فريق المسلمين هو الفائز، ولكن بعد جهدٍ
واستعانةٍ بالله، ويقولا إن وقت تلك اللعبة من الممكن أن يأخذ ساعات لأن
حياة الأطفال اليومية تدخل فيها من خلال أن يقولوا لهم: "عايزين فريق
المسلمين يفوز طب مش هينفع يفوز من غير ما يصلي، هيا نقوم نصلي، ومش هينفع
يفوز وهو مش قوى الجسم هيا نشرب اللبن، وهكذا"، مشيرَين إلى أن الأولاد
يستمتعون يتلك اللعبة جدًّا، وفي نفس الوقت تزرع في نفوسهم الكثير.
دعم المقاومة
آلاف الفلسطينيين يدافعون عن الأقصى ضد العدوان الصهيوني
وتقول
سارة محمد "طالبة بثانوي" "إنها عرفت كود تليفونات أهالي فلسطين وكود
تليفونات الصهاينة من خلال إحدى القنوات الفضائية التي قامت ببثها في حرب
غزة الأخيرة، ومن وقتها وهي تقوم يوميًّا بإرسال رسالة عشوائية لأي رقم
لأحد أهالي فلسطين، وتحاول أن تنتقي جمل تحفيزية ترفع من روحهم المعنوية
مثل "إننا معكم بالدعاء والمقاطعة إلى أن يأتي يوم النصر"، "الله معكم
ويثبت أقدامكم"، " نحن أبدًا لن ننساكم"، وتقوم بأخذ جمل من إحدى صديقاتها
التي تعرف اللغة العبرية وتكون كلها مثبطة من الهمم والعزيمة مثل "نصر
المسلمين قادم"، "لسنا نائمين ونعد العدة"، وتقوم بإرسالها إلى أي رقم
عشوائي للصهاينة، مشيرةً إلى أنها ترى أن من أكثر الوسائل المعينة على
النصر الحرب النفسية، وأنها في كثيرٍ من الحروب على مرِّ التاريخ تكون هي
سبب الهزيمة أو سبب النصر.
وتضيف
قائلةً: "وكان أسعد يوم عندما وجدت أحدَ مَن أرسلت إليهم رسالة ردَّ علي،
وقال: كم أسعدتني رسالتكم، وحقًّا دبَّت الحماسة في نفوسنا، أعانكم الله
وجزاكم الله عنا ألف خير، ونحن واثقون أنكم معنا".
أكشاك الجرائد
ويضيف
يوسف عبد المنعم "14 عامًا" قائلاً: "نقوم فجر كل جمعة أنا وأصدقائي
بتقسيم أنفسنا إلى ثلاثيات، وكل مجموعه تقوم بالمرور على أكشاك الجرائد،
ومعنا أوراق بأسماء أهم البرامج التي تتحدث عن القضية الفلسطينية، وفي أي
قناةٍ تُذاع، ومواعيد البث والإعادة، وتردد القناة، ونقوم بتوزيعها في
كافة أنواع الجرائد المختلفة حتى تصل إلى أعداد غفيرة من الناس، وهي
بمثابة تنبيه للناس حتى لا ينسوا القضية الفلسطينية، ويعرفون جذور القضية
من خلال متابعة البرامج المختلفة".
وللخبراء إضافة
إن كان ما سبق يُعبِّر عما قامت به بعض الأسر بشكلٍ عملي، فإن للخبراء والمختصين آراء لتكملة هذا الدور المهم للأسرة المسلمة.
تؤكد
الدكتورة إصلاح عبد الحميد ريحان أستاذ التاريخ الإسلامي على أهمية المسجد
الأقصى بالنسبة للمسلمين، مشيرةً إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا والمسجد الأقصى"
(رواه البخاري ومسلم)، فالمسجد الأقصى هو أولى القبلتين؛ وذلك قبل تحويل
القبلة، وهي ثالث الحرمين ومعراج النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث كان مسجد
قبة الصخرة هو نقطة انطلاق النبي مع سيدنا جبريل عليهما السلام في معراجه
إلى الله تعالى.
وتضيف
الدكتورة إصلاح ريحان: علينا أن نوضح لأولادنا أهمية هذه الصخرة التي عرج
منها النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هذه المنطقة تعد منطقة مقدسات إسلامية
بارك الله حولها، وأن مزاعم اليهود افتراءات كاذبة، ونبين لهم كذلك أن ما
يفعله اليهود من احتلال واغتصاب وإبادة لهذه الأرض الإسلامية إنما هو حسد
وغيرة من المسلمين، وعلينا أن نوضح لأبنائنا أيضًا كيف أن اليهود لا وعدَ
لهم ولا عهد معهم فليس عندهم صدق ولا أمانة وهدفهم الطعن في القرآن
والسنة، وكما قال رب العزة سبحانه: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ (البقرة: من الآية 120).
وعلينا أن نبين فضل ومنزلة وقدسية المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين سُئل عنها هي "أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره، قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه؟ قال: فتهدي له زيتًا يسرج فيه، فمن فعل فهو كمَن أتاه"، ونعلمهم كذلك أن الله تعالى قد وعد عباده المؤمنين الذين يدافعون عن هذه المقدسات بالنصر والتمكين.
الجهل بقضية الأمة
إن
أخطر ما يهدد المسجد الأقصى هو جهل المسلمين بحقيقته، هذا ما تؤكده
الدكتورة أماني عصمت أستاذة أصول التربية بكلية البنات جامعة عين شمس،
مشيرةً إلى أن هذا الجهل سواء عن قصد أو عن غير قصد من أسبابه تعمد
الإعلام والإعلاميين تمييع القضايا الإسلامية، وكذلك ما تتعرض له المناهج
الدراسية من تطوير على حساب العقيدة؛ مما أدَّى معه إلى تزييف التاريخ
وتزييف المعلومات فتلغى ألفاظ الجهاد والاستشهاد وتلغى من المناهج الآيات
التي ذُكرت فيها "إسرائيل".
وقد
أكدت العديد من الدراسات العلمية الحديثة على أن تطوير مناهج التعليم
زيَّف الوعي عند الطالب وطمس هوية الأمة وقضيتها الأساسية، كما منع المعلم
من الحديث في أي شيء يتعلق بقضايا الأمة المصيرية مع طلابه.
وترى
الدكتورة عصمت أن الأم الواعية المدركة لما يدور من حولها هي الأكثر
تأثيرًا في أبنائها، وإن اختلف هذا التأثير وأسلوب توجيه الخطاب للأبناء،
فالخطاب المباشر وإن كان يجدي مع الأبناء في مرحلة المراهقة فيما فوق، أما
الأطفال الصغار فمن الممكن توعيتهم بطريقة القصة أو الحدوتة فتوضح لهم أن
هناك أرضًا للمسلمين استولى عليه اللصوص الغاصبون، وأن هذه الأرض ملك لكل
المسلمين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء، وأن المسجد
الأقصى هو أولى القبلتين، وأن ثاني مسجد وضع في الأرض, فعن أبي ذر
الغفاري، قال: قلت يا رسول الله أي مسجد وُضع في الأرض أولاً؟ قال: "المسجد الحرام"، قال: قلت ثم أي؟ قال: "المسجد الأقصى"، قلت: كم كان بينهما؟ قال: "أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصلِّ، فإن الفضل فيه" (رواه البخاري.)
أمانة القضية
ويتفق
الدكتور أحمد عبد الرحمن أستاذ علم الأخلاق مع الرأي السابق، موضحًا ضرورة
أن يكون هناك حد أدنى من المعرفة بالمسجد الأقصى؛ لأن هذه القضية أمانة في
رقاب المسلمين جميعًا، وفي رقبة كل فرد في موضع المسئولية، وبالطبع للآباء
دور كبير.. "فكلكم راع، وكلكم مسئول عن راعيته"،
كما قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن ثَمَّ يمكن تقسيم الآباء
إلى قسمين، هناك آباء مشغولون ومهمومون بلقمة العيش وبتعليم الأبناء،
ويأتي الاهتمام بالمسائل الدينية في ذيل القائمة فقد يُبدون تعاطفًا مع
بعض الأحداث، ولكنهم غير فاعلين، وهناك آباء على علم ودراية بما يدور من
حولهم، وبالمؤامرات التي تحاكُ بالمسلمين، وهؤلاء أيضًا مشغولون بمشاكل
أبنائهم غير أنهم لا ينسون قضايا أمتهم ويتفاعلون معها فنجد بعض الأسر
تقوم بجمع التبرعات، وترسلها للأسر الفلسطينية المرابطة لتساعدهم في
التصدي للعمليات الإجرامية.
وأشار
إلى أن للأم الواعية دورًا كبيرًا في تنشئة جيل قوي مؤمن فلا بأس من أن
يكون الابن متفوقًا في دراسته، ولكنه لا بد أن يكون ابنًا واعيًا يعرف
الأهمية التاريخية والدينية للمسجد الأقصى، ووالله إن معرفة المسلمين
ووعيهم بالمخاطر والعمليات الإجرامية التي يقوم بها الصهاينة لهم أكبر شيء
تساعد به الأسرة إخواننا في فلسطين؛ لأن معرفة ما يحدث والعلم به سيجعل
الأسر تتفاعل مع الأحداث بدلاً من خلق جيل لا يعرف أصلاً أين المسجد
الأقصى.
التحرك بالقرآن
وتضيف
الداعية سمية رمضان أنه آن الأوان أن نتحرك بالقرآن، وأنه قد آن الأوان
لكي يتزين المسلمون بالآيات القرآنية ويتحركون بها، مؤكدةً أن هناك فرقًا
بين تلاوة القرآن ومحاولة تفسيره، وأن يكون المسلم هو الآية، وإذا فعل
الكبار هذا فإن الصغار مرآة للكبار والأولاد، مسلمون بالتقليد، ومن خلال
الحركة العملية التطبيقية للكبار، وإذا لم يصل المسلمون إلى أخلاقيات
معينة فلن يخرج المسلمون بطائل واضح المعالم أو يؤثر في الآخرين.
وترى
أنه قد آن الأوان أن يُذكر للأبناء دومًا وباستمرار حديث الرسول صلى الله
عليه وسلم الذي وعد فيه المسلمون بالنصر والتمكين، وأن الحجر والشجر سينطق
ويقول للمسلم: "يا مسلم، يا عبد الله، يوجد يهودي خلفي تعال فاقتله".
وتُعبِّر
الداعية سمية رمضان عن أسفها من أن الطريق أمام المسلمين كبير حتى يصلوا
إلى أخلاقيات القرآن الكريم، مشيرةً إلى أن فكر المسلمين غير ناضج في
تنفيذ الإسلام بما يرضي الله في معاملاتنا، فالمسلمون كما تقول يعيشون
نكبةً كبيرةً، خاصةَ ممن يحملون لواء الدعوة الإسلامية أصبحوا فرق وجماعات
واختلافات وخرج الأبناء في ظلِّ هذا التخبط والأخلاقيات المنافية لتعاليم
الدين الصحيح، ومَن ثَمَّ فإنه لن يجدي مع الأبناء سرد حكايات وقصص عن
الأمجاد الماضية، فالأبناء لن يتحركوا إلا إذا رأوا حركةً عمليةً وتطبيقًا
من الكبار، ففاقد الشيء لا يعطيه، وتتساءل كيف ننقذ المسجد الأقصى قبل أن
ننقذ أنفسنا من حساب الله.
الأم العامل الرئيسي
وتوضح
الدكتورة نادية رجب استشاري أسري بجامعة الأزهر أن الأم هي العامل الأساسي
لتحريك أي قضية داخل الأسرة، وهذه القضية هي قضية الأمة ومصير الأمة
الإسلامية مرتبط بها، ومن ثَمَّ ينبغي للأم توعية أبنائها بالأهمية
الدينية للمسجد الأقصى، كما تؤكد أن الأطفال في المرحلة العمرية من 6 إلى
12 سنة لديهم من الوعي ما يجعلهم يستوعبون ما يجرى حولهم من أحداث بل تظل
هذه الأحداث راسخة في أذهانهم.
وتشير
الدكتورة نادية رجب إلى وجود وسائل كثيرة لمساندة أشقائنا في فلسطين
والمرابطين حول المسجد الأقصى، ولعل أقوى هذه الأسلة هو الدعاء لهم بالنصر
والتثبيت، كذلك مشاركة الآباء أبناءهم في عمل حصالة للأطفال، وفي هذا
تذكير بالقضية، ولا تنسى الأم سلاح المقاطعة التي يغفل عنه الكثيرون رغم
قوته وفاعليته، كما تنصح الأب بأن يكون له دور مع أبنائه، ويكفي أن يكون
خطاب الأب الموجه للأطفال حول هذه القضية هو نفس كلام الأم، وتوجبها
للأبناء، ففي ذلك إشعار الطفل بأهمية الموضوع، ومن شأنه ترسيخ هذا المفهوم
في ذاكرة الطفل.