د. محمد عمارة
في مارس - إبريل سنة 2003م غزت أمريكا العراق.. وحلّت الجيش، وفككت الدولة.. وأنشأت -بواسطة حاكمها في العراق بول بريمر- "دولة" طائفية وعرقية بواسطة "مجلس الحكم" ثم "الحكومة" و"الانتخابات"، التي فتَّتت العراق على أسس طائفية ومذهبية وعرقية.
وفي 29 سبتمبر سنة 2007م اتخذ الكونجرس الأمريكي قرارًا بتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات -كردية في الشمال، وسنية في الغرب، وشيعية في الوسط والجنوب- وذلك بعد أن مهَّد الاحتلال لهذا التقسيم بسياسة المحاصصة الطائفية، وتفجير ألغام الصراعات الطائفية بين الشيعة والسنة، لأول مرة في تاريخ العراق!!
وكثيرون -من الذين لم يقرءوا التاريخ اضطروا دون وعي وفقه- يحسبون أن هذا الذي صنعته أمريكا بالعراق هو أمر "مفاجئ وجديد"؛ لأنهم لم يعرفوا -أو نسوا- المخطط الاستعماري الذي رسمته وصاغته وأعلنته الصليبية الغربية والصهيونية اليهودية لتفتيت العالم الإسلامي منذ إقامة إسرائيل!! أي قبل نحو ستين عامًا من هذا "التطبيق" الذي يحدث الآن على أرض العراق.
فمع إقامة الإمبريالية الغربية للكيان الصهيوني على أرض فلسطين سنة 1948م، نشر المستشرق الصهيوني (برنارد لويس) -الإنجليزي الأصل، الأمريكي الجنسية- دراسة في مجلة وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) يقترح فيها إعادة وزيادة تفتيت العالم الإسلامي من باكستان إلى المغرب، وإنشاء أكثر من ثلاثين كيانًا سياسيًّا جديدًا، إضافةً إلى الدول الستة والخمسين التي تتوزع عليها خريطة عالم الإسلام..
أيْ تحويل العالم الإسلامي إلى "فسيفساء ورقية" تقوم فيها 88 دولة، بدلاً من 56.. بما يعنيه هذا التقسيم المقترح من شقاقات وصراعات وحروب وآلام؛ تزيد هذه الكيانات ضعفًا فوق ضعفها، وهزالاً فوق هزالها! الأمر الذي يجعل بأس هذه الكيانات بينها شديدًا، ومن ثَم تكون رحيمة على أعدائها الحقيقيين! ولقد كان برنارد لويس صريحًا عندما قال: إن هذا التفتيت للعالم الإسلامي هو الضمان الحقيقي لأمن إسرائيل، التي ستكون الأقوى وسط هذه "الفسيفساء"!!
وفي هذا المخطط الصهيوني -الذي نشرته مجلة البنتاجون- فصّل برنارد لويس مقترحات التفتيت:
1- ضم إقليم بلوشستان الباكستاني إلى مناطق البلوسن المجاورة لإيران، وإقامة "دولة بلوشستان".
2- وضم الإقليم الشمالي الغربي من باكستان إلى مناطق البوشتونيين في أفغانستان، وإقامة "دولة بوشتونستان".
3- وضم المناطق الكردية في إيران والعراق وتركيا، وإقامة "دولة كردستان".
4- وتقسيم إيران إلى أربع دويلات: "إيرانستان"، و"أذربجيان"، و"تركمانستان"، و"عربستان".
5- وتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات: كردية، وسنية، وشيعية.
6- وتقسيم سوريا إلى ثلاث دويلات: درزية، وعلوية، وسنية.
7- وتقسيم الأردن إلى كيانين: بدوي، وفلسطيني.
8- وتقسيم السعودية إلى كيانات قبلية، تعيدها إلى حالها قبل وحدتها سنة 1933م.
9- وتقسيم لبنان إلى خمس دويلات: مسيحية، وشيعية، وسنية، ودرزية، وعلوية.
10- وتقسيم مصر إلى دولتين على الأقل: إسلامية، وقبطية.
11- وتقسيم السودان إلى دولتين: زنجية في الجنوب، وعربية في الشمال.
12- وتقسيم المغرب بين العرب والبربر.
13- وإعادة النظر في الكيان الموريتاني على ضوء المتناقضات بين العرب والزنوج والمولدين.
أما مقاصد هذا المخطط، فهي -بنص كلمات برنارد لويس-: "ويرى الإسرائيليون أن هذه الكيانات ستشلها خلافات لا انتهاء لها، الأمر الذي سيجعلها أضعف من إسرائيل؛ فتضمن إسرائيل تفوقها لمدة نصف قرن على الأقل".
نعم، لقد كُتب هذا المخطط ونشر قبل ستين عامًا من تطبيقه -اليوم- على أرض الواقع!!