يتحدث الراشد عن سلاسل الشيطان ونتحدث هنا عن :
العجب النفس
حب المحمده
وهاتان الآفتان يبلغان من الدقة الدرجة التى تحتاج لشيخ مربى مثل الشيخ الراشد ثم لتطبيق من كل أخ على نفسه هذه السلاسل وسنسير مع الراشد خطوة خطوة يشرح أولا ما هى سلاسل الشيطان فيقول موضحا خطورة هذه السلاسل والتى أطلق عليها سلاسل الشيطان :
هي سلاسل مقيدة موثقة، كما أنها سلاسل متتابعة متوالدة، تلك العيوب الثالمة الثالبة، تشل صاحبها عن حيوية في الخير وحراك، وتشده إلى أرض الجمود لها تزين وتزيين ولسان طويل وترهيب لكنها جبانة عند لقاء المؤمن تخاف انتباهه
لذلك كان التخلص من سجن العيوب الخلقية وأسرها يمثل المرحلة الضرورية الأولى في الصياغة التربوية للداعية المسلم، نحرص على التحرير قبل إعطاء الوعي وتعليم الفقه والتدريب على كسب الأنصار، لا نهتم قبل تقطيع وتكسير حديد سلاسل العيوب بشيء.
وهذا كلام نفيس وبديع من الشيخ الراشد وأمر من الأهمية بمكان أن يتنبه إليه المربون فى الجماعة فأصبح جل الاهتمام بالأخوة فى البداية هو التأكيد على المفاهيم الحركية وأصول العمل الجماعى وشمولية الإسلام وهى مهمة ولكن البداية يجب أن تكون مع التخلص من سلاسل العيوب الخلقية التى سيبدأ الراشد فى شرحها
فمن تجاوز هذه الخطوة في البداية الصحيحة فكأنما هو مراوح في مكانه، لم يبرح موضعه، وإن قطع المسافات بدونها، وأقام الشهود على قدم الانتساب، وليس هو إلا في تكرير وتقليد لذاك الرجل الذي جاء إلى الزاهد أبي علي الدقاق، يشتاق إلى مواعظه، فقال:
(قد قطعت إليك مسافة) أي سافر إليه من بلاد بعيدة يبتغي أن يكون له تلميذا وصاحبا، يظن أن طول رحلته يمنحه أولوية على غيره في القرب من أبي علي فقال له أبو علي: (ليس هذا الأمر بقطع المسافات، فارق نفسك بخطوة: يحصل لك مقصودك).
نعم أيها المربون ليس الأمر برتب ومراحل يصعد إليها الأخ من الانتساب إلى الانتظام دون كسر هذه القيود والتنبه للنفس وعيوبها
وهذه هي النفس الأمارة بالسوء، ذات العيوب، عناها أبو علي، لن يحصل مقصود الدعوة في الداعية حتى يفارقها بخطوة تكون دليلا على أنه قد حل وثاقها له أي وثاق كان، بسلاسل غلاظ أم دقاق رفاع، ما دام منهن تكتيف و إقعاد.
وهذا هو الذي أدركه عمر بن عبد العزيز بثاقب بصيرته الإيمانية، فطفق يلح على الواحد من ولاته على الأقاليم أن: (لا يكونن شيء أهم إليك من نفسك، فإنه لا قليل من الإثم) يراه كله قيدًا، قليله و كثيره، هذا الإثم فلما تخلص عمر والذين معه من قليله، واهتزت الأرض لذلك وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، أيقنها الناس نظرية لعمر في طلب كل خير وصاغها شاعرهم وصية:
خل الذنوب صغيـــرها وكبيرها فهو التقــي واصنع كماش فـــوق أر ض الشوك يحذر ما يري
وتمثيل التقوى بحذر الماشي فوق أرض كثيرة الشوك يؤثر عن الفاروق رضي الله عنه، وبذلك جمع الشاعر بين خلاصة فقه العمرين، ومن عرج ساعة لشوكة شيكها، حتى وجد منقاشا، ثم استخرجها ضاحكًا من شدة صغرها كأنها ذرة، لا قليل من الإثم حقا.
ولولا أنهما أول المبادرين إلى تطبيق حكمتهما لما خلدت، لكنه هو الفاروق لما مات رثته ابنة أبي خيثمة فصاحت: (واعمراه… أمات الفتن، و أحيا السنن، خرج نقي الثوب، بريئا من العيب)
أفرأيت كيف انتبهت إلى سر مناقبه! إنه سر براءة الداعية من العيب يفعل لدعوة الإسلام أفاعيلها وفتوحها، وكفي به من سر وسلاح وأحدنا اليوم تخالط قلبه أدران الغرور، ويوهمه خيره القليل، فيغتر إدلالا، وبتوقف عن الاستزادة امتنانًا، آمنا غير وجل، وقانعا غير طامع ولو أنا ذكرنا ما كان عليه أمر العمرين والسلف، ثم أجرينا المقارنة والمقايسة، لتجدد لنا الخوف، وانبعثت الرغبة، وحصل الحث، وعرفنا قدر نفوسنا
ولكن خلف نخشى الفضيحة تحت هذا العنوان الخطير يقول الراشد:
قالها صادقة صريحة الرجل الزاهد عبد العزيز بن أبي رواد رحمه الله، واعترف بأننا: (إذا ذكرت أحوال السلف بيننا: افتضحنا كلنا).
كلهم في القرن الثالث، فأي فضيحة لمن في القرن الخامس عشر؟. لا إله إلا الله اللهم إنا نسألك العافية
يبدأ الراشد فى تناول أول هذه العيوب والسلاسل وهو العجب النفس :
يفضحنا العجب بالنفس والمعجب مفضوح ولا شك بفضيحتين: بفضيحة الزلل والسقوط أرضًا، إذ ما زال القدماء يقولون عن فلان:
(إن العجب أخذ برجله فزل)، كمن يهمل النظر في السوق إلى موضع قدمه، فيزلق بقشر أو يعثر بحجر، فمن راث لحاله وشامت، ويقوم متهمًا، تأتيه النصائح من كل جانب، وما هو بحاجة إليها بعد ارتجاج عظامه أو يغالي: يطلب لنفسه السعر العالي، فيفضحه الشافعي، وينادي في السوق: (من سامي بنفسه فوق ما يساوي: رده الله تعالى إلى قيمته).
وسبب العجب أن المعتقد له يستصغر ما علم من ذنوبه، وينسى كثيرًا منها فبشر بن الحارث الحافي يعرف العجب بأنه: (أن تستكثر عملك، وتستقل عمل غيرك).
وهذا الجانب من الاعتداء والازدراء هو الجانب الأظهر في العجب حين فحصه سفيان الثوري، حتى كأنه قصر تعريف العجب فيه، فحذرك: (إعجابك بنفسك حتى يخيل إليك أنك أفضل من أخ لك، وعسى أن لا تصيب من العمل مثل الذي يصيب، ولعله أن يكون هو أورع منك عما حرم الله، وأزكي منك عملا).
تنبه فهذا العيب قلما ينجو منه فى عملنا إلا من رحم ربى
وكأن الفضيل بن عياض رآه رؤية الثوري، فجعله مستقلا عن جانب الاستكثار الذي ذكره بشر، ومستقلا عن نسيان الذنب، فقال: (إذا ظفر إبليس من آدم بإحدى خصال قال: لا أطلب غيرها: إعجابه بنفسه، واستكثاره عمله، ونسيانه ذنوبه).
وهذا يعني أن هذه الثلاث، الجامعة لأوصاف العجب حين رآه الصالحون من زواياه المختلفة، هي رأس السوء عند الفضيل، بحيث أن إبليس يضمن بعدها كل عيب يحبه.
أي أن العجب أصل كل بلاء وفتنة عنده
يجدد بذلك ما نقل له عن عيسى عليه السلام لما قال
كم من سراج قد اطفأته الريح، وكم من عبادة قد أفسدها العجب) فالعمل الصالح ضياء ونور، يتحول إلى ظلام إذا هبت ريح العجب عليه، هكذا بهبة واحدة.
أحيانا قد تجد الأخ مثقل بأعمال حركية ودعوية وإدارية كثيرة فيدخل فى نفسه العجب بهذا العمل وبما يفعله وتزداد الطامة عندما يجد أخ له كانا معا فى نفس المحضن التربوى وتجده أقل منه عملا وحركة فيزداد العجب بالنفس ثم تجد الطامة الكبرى أن مسئوله التربوى لا يتنبه لهذا العيب القاتل فى الأخ بل ويزيده أعمالا تزيد فى نفسه العجب فبدلا من العلاج يزداد فيما يسبب له مزيدا من العجب
ثم أنت أيها الأخ المعجب بنفسك هلا أعدت قراءه التدوينة من أولها لتدرك خطورة الأمر ودقته