الولاية : 25- قسنطينة عدد المساهمات : 1468 نقاط : 119686 السٌّمعَة : 34 تاريخ التسجيل : 16/09/2010
موضوع: قادة العدو يفهمون المقاومة أكثر من السلطة الأحد 5 ديسمبر 2010 - 23:14
[ 04/12/2010 ] د. ديمة طارق طهبوب
طبيعي أن يناصبك عدوك العداء بكافة أشكاله فليس بعد العداوة ذنب، وطبيعي أن يتغول في الانتقام والإذلال الذي يفجر فيك شعور التحدي والمقاومة ولا يشعرك بالألم مهما بلغت صنوف العذاب،بل يزيد كبرياؤك وترتفع هامتك ويتجذر صمودك ولو كان الثمن روحك، ولكن ماذا يكون الحال عندما تكون الطعنة في ظهرك من ابن بلدك، عندما يصبح الدم ماء، وتنادي أخاك ويرتد عليك الصدى في سجنه وعلامات سوطه تغزو جسدك وسلاسل قيوده تمنع عنك الحرية؟!
لقد كان ألم قيصر مضاعفا عند مقتله عندما كانت الطعنة القاضية في قلبه من الصديق الذي فضله على الجميع، وقال عبارته الخالدة "حتى أنت يا بروتس؟!" ولما أدرك أن الخيانة كانت ممن عده أخا وابنا قال "فليمت إذن قيصر"
لقد صورت قصيدة أمل دنقل مشهدا غاية في التأثير والأخ يناشد أخاه بأن لا يصالح، ويرى الجرم بيديه كبيرة تقصم الظهر فيقول: هل يصير دمي -بين عينيك- ماءً؟ أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء أقلب الغريب كقلب أخيك؟! أعيناه عينا أخيك؟! سيقولون: جئناك كي تحقن الدم.. جئناك. كن -يا أمير- الحكم سيقولون: ها نحن أبناء عم. قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك لا تصالح ولو توَّجوك بتاج الإمارة كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ..؟ وكيف تصير المليكَ.. على أوجهِ البهجة المستعارة؟ كيف تنظر في يد من صافحوك.. فلا تبصر الدم.. في كل كف؟ إن سهمًا أتاني من الخلف.. سوف يجيئك من ألف خلف
لقد خلد القرآن قصة الأخوين هابيل وقابيل وغدر الأخ بأخيه وجعلها أول الجرائم في تاريخ البشرية وفاتحة الندم والخسران وحفظها درسا لمن يعتبر من أولي الألباب
الشاهد في الأمر أن حملة وزارة شؤون الأسرى والمحررين لمراسلة الأسرى في يوم الأسير العالمي هيجت الشجون، فقد عرفنا كيف نخاطب أسرانا في سجون العدو بمنطق التحدي والصمود في وجه الغاشمين، ولكننا لما فكرنا بالكتابة للسجناء في سجون السلطة لم نعرف هل ستصلهم الرسائل؟ ماذا سنكتب لهم؟ اصمدوا في وجه جلاديكم، تحدوهم،اهزؤا بهم وهم أبناء دينكم وأرضكم ولغتكم وتاريخكم!
كيف وبأي منطق سنخاطب السلطة التي تفاخر بكونها وريثة النضال والشهادة والشهداء والسباقة الى الثورة وهي الآن تتنكر لكل ما كانته بل وتلاحق الشرفاء الذين بقوا على عهد الثورة والمقاومة لتحرير الأرض من البحر الى النهر! السلطة الآن تعاقب المقاومين على ما نادت به يوما وضحى من أجله الآلاف من الفلسطينيين، تريد أن تفرض عليهم سلاما ذليلا ودويلة هامشية لا يملك أحد أن يدخلها أو يخرج منها الا بإذن العدو، ومن لم يستجب ويدخل في بيت الطاعة الأمريكي-الإسرائيلي فإما التصفية أو السجن أو الحصار،ثلاثة أحلاها مرُّ
نستغرب هذا المنطق التخاذلي من السلطة التي لم تعد تفهم منطق الجهاد والتحرير بينما نجد قادة اسرائيل السابقين يفهمون، ولو نظريا، تعلق الفلسطينيين بأرضهم، فها هو جابوتنسكي مؤسس العصابات الصهيونية يقول في كتاب الجدار الحديدي (نحن والعرب)"إن العرب كغيرهم من الشعوب،المتحضرة والبربرية، ينظرون لأرضهم بوصفها وطنهم القومي الذي لا يقبلون له سيدا غيرهم ولا أن يشاركهم فيه أحد، ومخطىء من ظن أن الفلسطينيين يمكن خداعهم بالتخلي عن أرضهم مقابل امتيازات اقتصادية وثقافية (لم يقابل حكومة فياض)! إن الفلسطينيين ينظرون الى فلسطين بنفس الإجلال والحب الذي تنظر به بقية الشعوب الى بلادها"
بل إن بن غوريون بالرغم من سجله الدموي في فلسطين قال في مقابلة مع ناحوم غولدمان نقلها في كتابه الفردوس اليهودي"لو كنت قائدا عربيا لما تصالحت أو سالمت إسرائيل أبدا فهذا طبيعي بالنظر الى أننا أخذنا أراضيهم. إن عقيدتنا ومبادئنا لا تعني لهم شيئا، وهم ليسوا سبب معاناتنا مع هتلر والنازيين وفي معسكرات الاعتقال،هم يرون شيئا واحدا فقط لقد سرقنا أرضهم ولن يقبلوا بذلك"
إنه زمن صعب ذلك الذي لم نعد نميز فيه العدو من الصديق، والذي ينطق فيه العدو بالحق، ويشهد فيه الصديق بالزور! إنه زمن صعب ذلك الذي لم تعد فيه للنساء أو الشرف والعرض حرمة!
يحق للعدو الصهيوني أن يتعنت ويماطل ويفصل على هواه صفقات الإفراج عن الأسرى ما دام يرى السلطة تفعل الأكثر والأفظع بالفلسطينيين ولا تراعي ذمة الكبار ولا الصغار ولا النساء أو الرجال!
لقد صدق من قال "من خذلته عترته لم تأتِ من الأباعد نصرته" فلا نغضب إذن من إسرائيل والسوس ينخرنا من داخلنا.