فداء فريق الإدارة
الولاية : 29- معسكر عدد المساهمات : 1475 نقاط : 120196 السٌّمعَة : 16 تاريخ التسجيل : 17/09/2010 الموقع : دعوتنا حياتنا
| موضوع: التكوين الدقيق والبناء المستمر .. الثلاثاء 2 نوفمبر 2010 - 19:31 | |
| باسم الله الرحمان الرحيم
إن صاحب الدعوة يُدرك طبيعة الطريق الذي يسير فيه والذي عاهد الله تعالى على المضي فيه، حتى تتحقق الغاية المنشودة، والآمال والطموحات والأهداف التي يسعى إليها، وهو كذلك يُدرك أن بناء النفس وتكوينها بصورة دقيقة ومتنامية ومستمرة هو الزاد الأساسي والرئيسي لمسيرته الطويلة والشاقة على طريق الدعوة، ولذا فقد حدَّد الإمام المؤسس حسن البنا- رحمه الله- مراتب ركن العمل، وقد جعل في مقدمتها مرتبة إصلاح الفرد نفسه، كما جعل لهذه المرتبة المظاهر والصفات العشرة الأساسية المطلوبة لكل فردٍ مسلمٍ عمومًا ولصاحب الدعوة خصوصًا، فيقول رحمه الله: "إصلاح الفرد نفسه حتى يكون: قوي الجسم، متين الخلق، مثقف الفكر، قادرًا على الكسب، سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهدًا لنفسه، حريصًا على وقته، مُنظمًا في شئونه، نافعًا لغيره، وذلك واجب كل أخ على حدته"، وعندما ندقِّق النظر في هذا الهدف نستشعر أن الإصلاح الحقيقي للأمة الإسلامية ونهضتها يبدأ من إصلاح الفرد نفسه، وهذه مهمة كل أخ على حدته، ومن هنا تأتي أهمية مرتبة إصلاح الفرد نفسه، كما يؤكد الإمام البنا- رحمه الله- على المعنى ذاته بقوله: (اعلموا أن أسلافكم الكرام لم ينتصروا إلا بقوة إيمانهم، وذكاء أرواحهم، وطهارة نفوسهم، وعملهم على عقيدة واقتناع...).
وهذه الصفات العشر التي حدَّدها الإمام البنا تشمل الجوانب المعرفية والوحدانية والسلوكية والمهارية التي يتكون منها الإنسان بصورة متوازنة ومتكاملة دون تغليب جانب على آخر أو اجتزاء له، وبما يحقق التوازن في التكوين وبناء الشخصية الإسلامية المنوط بها إحداث التغيير المنشود والنهضة الشاملة، فالرجل سر حياة الأمم ومصدر نهضتها، ومن أقوال الإمام البنا- رحمه الله- في هذا الصدد (ولكن الأمم المجاهدة التي تواجه نهضة جديدة.. إنها في مسيس الحاجة إلى بناء النفوس وتشييد الأخلاق، وطبع أبنائها على خلق الرجولة الصحيحة، حتى يصمدوا لما يقف في طريقهم من عقبات، ويتغلبوا على ما يعترضهم من مصاعب).
ولقد ربى النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام على هذه المعاني العظيمة والأخلاق القويمة المتينة والهمم العالية، فتكَوَّن هذا الجيل القرآني الفريد، فخرجت منه نماذج وقدوات مؤثرة على مدار التاريخ، ومن أمثال ذلك:
سالم مولى أبي حذيفة الذي يقول عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن سمعه يقرأ القرآن: "الحمد لله الذي جعل في أمتي مثلك".
وهذا عمير بن الحمام الصحابي الكريم الذي شهد غزوة بدر الكبرى، وقاتل حتى قُتِل فكان بذلك أول شهيد للأنصار قتل في سبيل الله.
وهذا حنظلة الذي غسلته الملائكة بعد استشهاده؛ لأنه دخل المعركة ولم يتطهر من جنابته بعد.
إن مثل هذه النماذج الرائدة هي التي أسست دعوة الإسلام وساهمت في التمكين لدين الله في الأرض حتى ساد الإسلام العالم أجمع.
ومن هنا تأتي أهمية بناء النفوس وتربيتها، ولذا فإن الإخوان المسلمين يقصدون أول ما يقصدون إلى تربية النفوس، وتجديد الأرواح، وتقوية الأخلاق، وتنمية الرجولة الصحيحة في نفوس الأمة، ولا غنى عن التكوين الدقيق والبناء المستمر في بناء صف مؤمن رباني متماسك، قدوة يقود الأمة ويرشدها إلى تعاليم الإسلام وقيمه الصحيحة.
إن التكوين الدقيق يهدف إلى استخلاص العناصر الصالحة؛ لتحمل أعباء الجهاد في سبيل تحقيق الغاية والأهداف التي من أجلها قامت دعوة الإخوان المسلمين، كما يهدف إلى بناء الفرد المسلم المتكامل في فكره وخلقه وروحه وسلوكه، ولذا فإن الزاد الحقيقي لأصحاب الدعوات كما ذكر الإمام البنا رحمة الله- هو (الإيمان العميق، والتكوين الدقيق، والعمل المتواصل)، ولقد تميزت دعوة الإخوان المسلمين على مرِّ السنوات الطوال منذ نشأتها وحتى وقتنا هذا بمتانة البناء والتكوين الذي كان له دور أساسي بعد فضل الله عزَّ وجلَّ في استمرار وانتشار دعوة الإخوان المسلمين في معظم أقطار العالم.
إن مقومات البناء والتكوين عند جماعة الإخوان المسلمين تشمل أمورًا أربعة أساسية هي:
البناء العقدي والإيماني: الذي يشتمل على سلامة الاعتقاد، وقوة الإيمان ويقظة الروح، والقوة النفسية العظيمة، والأمل والثقة في نصر الله، ولذا فهو الركيزة الأساسية التي يقوم عليها البناء المتكامل.
البناء الفكري: الذي يُشكِّل حجر الزاوية من البناء، ولذا فقد حض الإمام البنا على جعل ركن الفهم هو أول أركان البيعة؛ لأن وحدة الفهم تؤدي إلى وحدة التصور ووحدة العمل.
البناء الأخلاقي والسلوكي: الذي يعتبر من أسس بناء أي جماعة أو دعوة، وإن الأمم والحضارات تقوم على الأخلاق وتشيد بالسلوك القويم.
البناء التنظيمي: الذي لا يمكن لأي بناء أن يستقيم عوده أو يزداد قوة وصلابة إلا بقوة تماسكه، وترابط أجزائه، وتلاحم ذرَّاته، فيصدق فيه قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)﴾ (الصف).
إن صاحب الدعوة يُدرك هذا كله، ويسعى إلى تحقيقه في ذاته أولاً ثم في دوائره المحيطة به ثانيًا، وهو على يقين تام بأن التربية والتكوين هي طريق النهضة والرقي والتقدم والحضارة للأمة الإسلامية، ومن هنا لزمت على صاحب الدعوة أمور عدة منها:-
أولاً: ذاتية التكوين والبناء: لأن أساس التربية والتزكية هي الرغبة والاستعداد، فالارتقاء الذاتي وتحقيق الصفات العشر التي حدَّدها الإمام البنا رحمه الله متطلب منه:-
1- الإلمام التام بمظاهر تحقق الصفات العشر.
2- تحديد أوجه القصور والضعف في تلك المظاهر.
3- تحديد الأولويات والنقاط الحرجة التي يبدأ بها صاحب الدعوة.
4- تحديد البرنامج الزمني والخطة التفصيلية لتحقيق تلك الصفات.
5- المتابعة الدائمة والمستمرة لما تحقق وأوجه الخلل في التطبيق.
6- المجاهدة المستمرة لنوازع النفس وضعفها مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)﴾ (العنكبوت).
ثانيًا: استمرار العملية التربوية: والتي تشمل المربي، والمنهج، والبيئة بالإضافة إلى رغبة الفرد واستعداده، وهذه العملية التربوية تحتاج إلى أمورٍ أساسية منها:-
1- حسن الاختيار والانتقاء للعناصر الصالحة.
2- المربي الناجح صاحب البصيرة والخبرة التربوية العلمية.
3- التطوير الدائم للمناهج التربوية المناسبة لمتطلبات المرحلة.
4- تهيئة البيئة الإخوانية المؤثرة في تكوين الشخصية وبنائها.
5- التجديد والابتكار في وسائل وأساليب التربية المتنوعة والمؤثرة.
ثالثًا: المحافظة على مقومات البناء والتكوين في الجماعة: والتي تشمل البناء العقدي والإيماني، والبناء الفكري، والبناء الأخلاقي والسلوكي، والبناء التنظيمي.. وهذا كله يحتاج من صاحب الدعوة إلى عدة أمور منها:-
1- المراجعة الدائمة للنفس واستكمال ما يلزم لصحة وسلامة الاعتقاد.
2- التحلي بكل المعينات والروافد الإيمانية اللازمة لقوة ويقظة الروح والقلب.
3- التحقق بمكونات القوة النفسية العظيمة التي تشمل الإرادة القوية، والوفاء الثابت، والتضحية العزيزة، والإيمان بالمبدأ.
4- عدم الانحراف عن منهج الجماعة أو الخديعة بغيره أو المساومة عليه.
5- الذود والدفاع عن فكر الجماعة ومنهجها ودحض ما قد يُثار حولها من شبهات.
6- غرس الصفات والأخلاق الإسلامية في الدوائر المحيطة، والعمل على تحقيق القدوة العملية.
7- تحقيق معاني الحب والأخوة بكل الصور والرسائل المحققة لها بين جميع الأفراد.
8- التحلي بكل معاني الثقة المتبادلة بين الأفراد والقيادة حتى تتحقق اللحمة القوية في هذا البناء الضخم.
9- الالتزام بنظم الجماعة ولوائحها وأعرافها، وترك أهواء القلوب وحظوظ النفوس.
10- المبادرة الفعالة لمعالجة ما قد يطرأ من معوقات ومشكلات في تطبيق هذه المقومات الأساسية للبناء والتكوين.
وبعد:
فإن صاحب الدعوة يواجه تحديات ضخمة، وعقبات كثيرة على طريق الدعوة إلى الله، ومن هنا لزم عليه أن يتزود لطول الطريق ومشقته مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ (197)﴾ (البقرة)، والتقوى وتزكية النفس وتطهير الروح تحتاج إلى المجاهدة الدائمة والعمل المتواصل؛ لتكوين وبناء الشخصية الإسلامية المتكاملة، وهذا شغل أصحاب الهمم العالية والعزائم الصادقة.. نسأل الله تعالى أن يوفقنا لأن نكون من الذين وصفهم ربهم تعالى بقوله: ﴿الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ (17)﴾ (آل عمران). اللهم آمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
د/ محيي حامد
16/05/2010 | |
|