:herxdlb:
العلاّمة الداعية المجاهد " الفضيل الورتلاني "
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]من أعلام الفكر والأدب والسياسة والإصلاح في (الجزائر) خصوصاً، وفي الوطن العربي عموماً،
العلاّمة الداعية المجاهد الشيخ (الفضيل الورتلاني: 1900-1959) الذي كان ذا أثر فكري إصلاحي بالغ في العالم الإسلامي بصفة عامة، ومنه (الوطن العربي) خاصة.
خاض النضال السياسي على الجبهة الجزائرية مع الاحتلال الفرنسي، كما خاض النضال الفكري والإصلاحي عربياً خصوصاً، وإسلامياً عموماً، جاعلاً من قضية العرب والمسلمين شاغله حتى عن أوجاعه، وأمراضه المتألبة التي لم تمهله حتى أجهزت عليه ذات يوم في (أنقرة) يوم (12 مارس 1959).
ولد (الفضيل بن محمد حسين الورتلاني) في بلدية (بني ورتلاني) بولاية (سطيف) في (الجزائر) يوم (2/6/1900م) لأسرة عريقة في العلم، والثقافة الإسلامية، حيث حفظ القرآن الكريم، ودرس مبادئ العربية والعلوم الشرعية، لينتقل بعد ذلك إلى مدينة (قسنطينة) سنة (1928) حيث درس على أستاذ الجيل المصلح الجزائري، الشيخ (عبد الحميد بن باديس) ولم يلبث حتى بات منذ سنة (1932) مساعداً له في التدريس، و"متجوّلاً لصالح مجلة (الشهاب) ومرافقاً لابن باديس في بعض رحلاته بالوطن، مشاركاً بقلمه في كل من (البصائر) و(الشهاب) بروح وطنية متوثبة، وشعور ديني ملتهب. ولإمكاناته الفكرية ومعارفه العلمية الدينية وقدرته على الخطابة وإجادة الاتصال، أوفدته (جمعية العلماء المسلمين الجزائرين) إلى (باريس) سنة 1930 لنشر فكرها الإصلاحي، وتعهّد شؤون المغتربين الدينية"(1). فاستطاع أن يكون (الداعية) المخلص الناجح الذي أحدث نحو ثلاثين مركزاً ونادياً للدعوة، في فرنسا، خصوصاً في (باريس) حيث عمل لتوثيق روابط الأخوة والمحبة والتعاون بين أبناء الجاليات الإسلامية، انطلاقاً من قوله تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى" وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" وهو الموضوع الذي عالجه في إحدى مقالاته بعنوان "التعاون مقدس، والتعارف أقدس" فكتب بعد التمهيد بالآية السابق ذكرها: "هذا كلام عربي مبين، ومع ذلك فإنا نجد العرب والمسلمين في هذه الأيام أزهد خلق الله في التعارف، وأزهد ما يكونون مع أخوانهم في الجنس واللغة والدين والمصلحة".
هذا النشاط القومي الديني الإصلاحي بمضمونه السياسي جعله موضع ترصّد واهتمام لدى السلطات الفرنسية، خصوصاً ونذر الحرب (العالمية الثانية) تلوح في الأفق، حتى بات مستهدفاً من (البوليس الفرنسي) للقبض عليه وسجنه فعمل للفكاك مما يدبّر له في أجهزة البوليس الفرنسي، فكان الشخص الذي "أنقذه.. وساعده على الخروج سراً من فرنسا ونجا بأعجوبة من إلقاء القبض عليه هو أمير البيان العربي شكيب أرسلان، وكان من أعزّ أصدقاء الشيخ الورتلاني.. مع نخبة من علماء المشرق العربي من مختلف الأقطار العربية الإسلامية المتواجدين آنذاك بالعاصمة الفرنسية خلال فترة مهمته بفرنسا".
فكانت وجهته إذن سنة 1940 (القاهرة) حيث آثر الانتساب إلى (الأزهر) فحصل على شهادته (العالمية) في "كلية أصول الدين والشريعة الإسلامية" مواصلاً جهاده القومي الوطني، للتعريض بالاستعمار الفرنسي في (الجزائر) وخدمة "القضية الجزائرية، وقضايا المسلمين عموماً، فأسس مثلاً سنة (1942م) (اللجنة العليا للدفاع عن الجزائر) كما أسس سنة (1944) (جبهة الدفاع عن شمال إفريقيا) ثم مكتب (جمعية العلماء المسلمين) في (القاهرة) سنة (1948م) الذي استقبل فيه الشيخ (محمد البشير الإبراهيمي) سنة (1952م) وقد صار عضواً في تنظيم حركة (الأخوان المسلمين) حتى اتهم بالمشاركة في محاولة انقلابية في (اليمن) قتل فيها (يحيى حميد الدين) إمام اليمن (1869-1948م) فقبض عليه هناك ثم أفرج عنه مع من شملهم العفو الذي سخر منه (الإبراهيمي) في مقالة نشرها في البصائر معرّضاً بالنظام القائم على الهوى لا على القانون(1).
ولم تعلن الثورة الجزائرية (1954) حتى أعلن مساندته لها، وعمله في صفوف جبهة التحرير، فعمل في وفدها الخارجي في (القاهرة) بهمّة عالية وجدّ وإخلاص لا يعرف مللاً ونفاقاً اعتاده السياسيون بينهم في علاقاتهم، الأمر الذي أزعج بعضهم في (الوفد الخارجي) لـ (جبهة التحرير) في (القاهرة) من الذين يؤثرون الراحة في "صالونات" السياسة، حتى وصفه أحدهم بالوباء، فأجهد نفسه غير عابئ بأكثر من داء كان يستوطن جسمه، مؤجلاً العلاج، معجلاً بالمبادرة في ميدان العمل والنشاط، حتى تمكّن منه الداء فصرعه في إحدى مستشفيات (تركيا) حيث كانت وفاته في (12 مارس 1959).
وبعد الاستقلال (1962) في الجزائر، نقلت رفاته من (تركيا) ليعاد دفنها في مسقط رأسه يوم (12 مارس 1987) لكنه كان أحد الذين شملهم (الجحود) بعدما استحوذ على دواليب الحكم في بلده (طلقاء) الثورة الجزائرية، فعاثوا فيه فساداً مستفيدين إلى أبعد حد من أسلوب "عفا الله عما سلف" الذي جعل (أبناء فرنسا) بالتبني و(الولاء) أسياداً في بلد الشهداء، والأحرار الذين أجهضت آمالهم، وتلاشت أحلامهم الوردية في أتون المؤامرات الاستعمارية الأوروبية، لكن (الورتلاني) بقي حياً في الوجدان الوطني والإسلامي، بجهوده الميدانية الشاهدة، وبأعماله المادية الناطقة بحبّه لوطنه، وأمته الإسلامية الكبرى، كما تعبّر عنها حشود من مقالاته في الصحف والدوريات الجزائرية، والعربية، والإسلامية عموماً، مما ضمّ جانباً منه كتابه "الجزائر الثائرة"(3). وهو مجلد ضخم حوى كثيراً من عناصر التعبير عن معاناة (الجزائر) تجاه الاحتلال الفرنسي، ومعاناة العرب تخلفهم وتطاحنهم كمعاناة المسلمين تشرذمهم وتشتّتهم، محبباً التعاضد والاتحاد في بلده الذي أعلن ثورته، قائلاً عنه: "ليس في الجزائر اليوم من حيث الرأي والعمل إلا هيئة واحدة اسمها ومسماها الأمة الجزائرية الثائرة"(3) لائحاً باللائمة على التفرق والاختلاف بين أبناء الأمة الإسلامية الواحدة، وهو كما يقول: "من أثر الواقع المرّ الذي باعد بين عقولهم وأفكارهم، وبين قلوبهم وإحساساتهم، حتى كثرت أممهم وهم أمة واحدة، وحتى تعددت دولهم.. لأنهم فقدوا المصلحين الأكفاء دراية وإخلاصاً" لتوفير "الوسائل الصالحة لخلق الأمة العربية الواحدة" وبناء الأمة الإسلامية المتماسكة، القوية المتعاضد أبناؤها جميعاً في السراء والضراء.
مهما يكن من شيء يبقى (الفضيل الورتلاني) شخصية عربية إسلامية ذات أثر بعلمها، ودعوتها، فهو الوطني الجزائري الغيور على وطنه (الجزائر) المحتل، وهو العروبي المشوق إلى وحدة هذه الأمة كلبنة جوهرية أساسية أولى في بناء وحدة المسلمين، وتعاونهم على الخير، وتآزرهم في مواجهة الأعداء والخصوم.
رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته، بين الذين رضي الله عنهم، والخالدين في ضمائر أممهم.