الثبات حتى الممات
فضيلة المرشد أ.د. محمد
بديع
الحمد لله رب
العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد النبي الأمي الأمين، وعلى
آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد،
إخوتي وأخواتي وأحبتي في الله،
السلام الله عليكم ورحمته وبركاته..
حديث آخر من القلب إلى القلوب، أسال
الله عزَّ وجلَّ أن يتقبَّل منَّا ومنكم صالح الأعمال، وأن يتوفانا وإياكم على ما
يُحب ويرضى من الإيمان الثابت والإسلام الصحيح؛ حتى نلقاه وهو راضٍ عنَّا غير
خزايا ولا ندامى ولا مبدِّلين ولا فاتنين ولا مفتونين.
حديثنا اليوم عنوانه: الثبات حتى الممات.
وابتداءً.. الثبات هو الاستمرار في
التمسك بالعقيدة والقيم والأخلاق والفضائل، مهما كانت المغريات، ومهما كانت
العقبات،
ولهذا لا بد أن نبحث من أين يأتي
الثبات؟
مصدر الثبات هو الله سبحانه وتعالى،
هو الذي يهب للإنسان ثباتًا عندما يعلم ما في قلبه من الصدق واليقين والإخلاص.
وقد قال لسيد الخلق صلى الله عليه
وسلم في كتاب الله العزيز: ﴿وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ
لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (74)﴾ (الإسراء).
ولهذا يقول الله عز وجل: ﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ
اللهُ مَا يَشَاءُ (27)﴾ (إبراهيم).
إذًا يا من تريد أن يثبتك الله عزَّ
وجلَّ اجعل في قلبك إيمانًا ويقينًا بالله وبطريق هذا الدين، وبالثبات على هذه الفضائل
في كل سلوكياتك؛ حتى يثبتك الله ويزيدك منها ثباتًا.... المغريات كثيرة والعقبات
كثيرة.. وهذا اختبار من الله عز وجل للإنسان حتى يعلم علمًا كِشاف ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ
وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)﴾ (محمد)... لذلك عندما تمر عليك ابتلاءات واختبارات فاعلم أن
الله عزَّ وجلَّ يريد أن يختبر صدقك فيما قلت.
إن لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك؟
سؤال من الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لكي يتأكد من ثبات هذه المعاني وهذه القيم في
نفسية حارثة، فلما وجد منه دلائل على هذا الثبات الإيماني واليقيني قال له:
"قد عرفت فالزم".
ونموذج
رأيناه في رسول الله صلى الله عليه وسلم عُرضت عليه المغريات بشكل لا يتخيله
إنسان، إن كنت تريد ملكًا ملكناك علينا، وإن كنت تريد مالاً جمعنا لك مالاً حتى
تكون أغنانا، فماذا كان موقفه صلى الله عليه وسلم بثباته ويقينه في ربه عزَّ وجلَّ
وفي الأمانة التي يحملها وفي الهدف الذي يسعى إليه، "والله
يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الدين ما تركته
حتى يظهره الله أو أهلك
دونه"، وقد أظهره
الله سبحانه وتعالى... ﴿فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ (الفتح: من
الآية 18)، هذا هو اليقين الذي يدفع الإنسان إلى الثبات، والله عزَّ وجلَّ يثيبه
أفضل من ذلك بتوفيق ونصر وعزة وكرامة في الدنيا والآخرة.
نموذج آخر من أنبياء الله صلوات الله
وسلامه عليهم أجمعين، سيدنا يوسف عليه السلام نموذج وهو في السجن في ظروف صعبة
قاسية يشهد له السجينان معه ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ﴾ (يوسف: من الآية
36)، جملة لها مغزاها، أي: إن هذه صفة ثابتة فيك نراها عملية لا نسمعك تتحدث عن
الإحسان فقط، ولكن نراك من المحسنين، وتستغربون إخوتي وأخواتي ما الذي مع يوسف
عليه السلام في داخل السجن؟ لا يعرفه أحد، وليس له أقارب، ولا يصله شيء من أهله
ومن المحسنين؛ فما الإحسان في هذا الحال؟ هو إحسان الخلق والسلوك رغم هذه الضغوط
التي يعيش فيها، ورغم أنه متهم اتهامات باطلة، ونفس الجملة قيلت له من إخوته وهو
يجلس على العرش يوزع الميرة على كل الدنيا في موقع سلطان وقدرة وملك:
﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنْ
الْمُحْسِنِينَ﴾ (يوسف: من الآية 36)، نفس الجملة تتكرر كأن هذه الصفات ثابتة في
هذا الإنسان في هذا النبي الكريم ابن الكريم ابن الكريم؛ لذلك عندما ترى هذه
الصفات تُثبت في إنسان تعلم أنه قد عاش عليها واستمر عليها واختبر فيها ونجح فيها.
جماعة الإخوان
المسلمين عندما ترى نموذجًا تعلمت منه .. أمنا هاجر وهي على يقين أن ربنا لن
يخذلها أبدًا، هي تعلم أنها تحمل هذا الحق وتجاهد في سبيل الله عزَّ وجلَّ، وتأخذ
بالأسباب وتثبت على ما هي عليه من قيم ومبادئ وأخلاقيات، فالدنيا بإذن الله سبحانه
وتعالى ستأتيها راغمة؛ لأن الله عزَّ وجلَّ قال للدنيا: "يا دنيا من خدمني
فاخدميه ومن خدمك فاستخدميه".... الظروف التي
كانت حول أمنا هاجر ظروف صعبة قاسية، ولكنها ما دامت تحمل حقًّا تقول لزوجها: آلله
أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذًا لن يضيعنا الله عزَّ وجلَّ.
من أين يأتي هذا اليقين والظروف من
حولها كلها لا تنبئ بهذا؟ من أين يأتي هذا النور في القلب برغم من أنها أخذت بكل
الأسباب المتاحة، ولكن ليس حولها ما ينبئ بأن هناك أملاً؟، أملها في الله عزَّ
وجلَّ، فاليقين هو الذي يبعث الأمل، هو الذي يدفع للأخذ بالأسباب، هو الذي يحقق
النتائج بإذن الله عزَّ وجلَّ وإن لم تتحقق في الدنيا فنحن على يقين؛ أن أجر
الآخرة هو الذي نسعى إليه، والله عزَّ وجلَّ غايتنا، والجهاد سبيلنا، والموت في
سبيل الله أسمى أمانينا، أمنية غالية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لنا:
"اصبروا حتى تلقوني على الحوض".
من أين يأتي الثبات؟
من الاختبارات المتتالية، تُختبر
فتتأكد فيك الصفة ويثبت الخُلق، وكما يقول الرسول: "لا يزال الرجل يصدق ويصدق
ويصدق"، انظر إلى تكرار الصفة يأتيك الموعد لتُختبر في هذه الكلمة، فماذا
تقول بعد موعد آخر باختبار آخر يرى الله عزَّ وجلَّ منك صدقًا فتثبت الصفة؛ حتى
تُكتب عند الله صدِّيقًا، لذلك النموذج المقابل لا يزال الرجل يكذب ويكذب وبعد أن
يستمرئ الكذب تجده لا يستعذب ولا يقبل إلا الكذب؛ لأنه بعدها يتحرى الكذب
﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ (المائدة: من الآية 42).
نموذج بسيط
أضربه لحضراتكم دون ذكر أسماء في الانتخابات الحالية التي مضت في انتخابات الشورى،
كان الإخوان المسلمون يرفعون راية الإسلام ويعلنون أنهم يتمسكون بها، ويثبتون
عليها بإذن الله سبحانه وتعالى، وقد اختبر الله عزَّ وجلَّ هذه الجماعة بفضل الله-
سبحانه وتعالى- ثبَّتها رب العزة أمام الكثير من المغريات وأمام الكثير من الصعاب
والمعوقات.
دائراتان .. دائرة في دمياط ودائرة
في أسيوط، أعلنتُ أن الإخوان المسلمين يساندون المرشح في دمياط؛ لأنه عندما
استقرأنا رأي الناس من حوله أثنوا عليه خيرًا بما يعلمون، وهو ليس من الإخوان
المسلمين، وكان من مبادئنا وقيمنا أن نساند الصالحين الذين يشهد الناس لهم بذلك،
فأعلنا تأييدنا لهذه الشخصية.
تابع ص - 2 -